للاعلان الاتصالamlstars@hotmail.com

الجمعة، 30 أكتوبر 2009

فقه الواقع عند ابن القيم


فقه الواقع عند ابن القيم:

كان ابن القيم -رحمه الله- لديه إلمام تام بواقعه وعصره، ما كان يعيش بين الكتب منزوياً لا يدري عن شيء؛ بل كان لديه اطلاع جيد، وكان يعرف البدع وأهل الأهواء في عصره، وكان في عصره هجوم للنصارى على بلاد المسلمين، وهجوم للتتر، وكان رحمه الله يعرف مخططات النصارى في بلاد المسلمين، انظر إليه وهو ييقول في كتابه الجواب الكافي -هذه مسألة مهمة جداً وهي أن نعلم كيف كان العلماء من قبل عندهم تكامل، لم يكونوا مغمضي الأعين عما يحدث في الواقع؛ بل كان لديهم حس ومعرفة، وإلمام واطلاع- يقول: "وإذا أراد النصارى أن يُنصِّروا الأسير المسلم، أروه امرأة جميلة منهم، وأمروها أن تطمعه في نفسها -وصارت هي التي تدخل عليه السجن- حتى إذا تمكن حبها من قلبه، بذلت له نفسها إن دخل في دينها، يقول ابن القيم رحمه الله تعليقاً: فهناك يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]" هذا ابن القيم رحمه الله كان يعرف عن مخططات النصارى، وهذه سمة يفتقدها ويفتقر إليها كثير من أصحاب النيات الطيبة في هذا الزمان، فإنهم قد يقرءون في كتب العلم الشرعي، والأصول الشرعية، لكنهم لا يدرون شيئاً عن مخططات العلمانية، و الماسونية، و الشيوعية، والمذاهب الإلحادية الهدامة، لا يدرون عنها شيئاً، فقط علمهم بالقديم أما الجديد فلا. وأيضاً هناك طائفة أخرى على الضد من ذلك يتوسعون في معرفة الطوائف، ومعرفة المذاهب الفكرية الجديدة، ومعرفة المخططات والاستعمار وغير ذلك، لكنهم لا يعرفون أبداً ما هو مسطر في كتب السلف ، لكن عندما يأتي واحد مثل: ابن القيم ويقول هذا الكلام، وعنده علم شرعي زائد، وإلمام بالواقع، وشيخه ابن تيمية رحمه الله الذي درس على يديه، وكان يعرف مخططات التتر، ويكتب عنهم، ويحذر منهم، ويجعل الأمة تنهض نهضة عامة لتنتصر على التتر، ويقسم أيماناً أن المسلمين سينتصرون على التتر، وكان ابن تيمية يوزع حلوى النصر قبل أن تقوم المعركة، ويقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، ويعرف المخططات، ويعرف خطر النصيرية في الجبال، فيذهب إليهم ابن تيمية رحمه الله ومعه جيش الإسلام فيؤدبهم.. علماء أجلاء عرفوا الواقع، وكان عندهم علم بالشريعة، فحصل الخير العظيم بوجودهم.

موقف ابن القيم من أهل البدع:

وكان أيضاً مما فعله ابن القيم -رحمه الله- تصديه لتيارات الصوفية المنحرفة من أصحاب وحدة الوجود والحلول والاتحاد الذين يقولون: الله في كل مكان.. في الشارع.. في الخلاء، وأن المخلوقين جزء من الله. كما قال قائلهم:

وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهبٌ في كنيسته

كان ابن القيم -رحمه الله- ممن تصدوا للتيارات المنحرفة، ويقول -مثلاً- فاضحاً لهم: سئل الشبلي من المتصوفة متى تستريح؟ قال: إذا ما رأيت له ذاكراً -أي: إذا ما رأيت أحداً يذكر الله، أستريح- لماذا؟ قال: لأني أغار، فلذلك لا أريد أحد يذكر الله -فهذا من الضلال والعياذ بالله- ثم قال: مات ابن له، فقطعت أمه شعرها، فدخل هو الحمام ونور لحيته -يعني: أزال اللحية حتى ذهب شعر هذا الضال- فقيل له: لماذا فعلت هذا؟ قال: إنهم يعزونني على الغفلة، ويقولون: آجرك الله، ففديت ذكرهم لله على الغفلة بلحيتي. و ابن القيم رحمه الله يذكر هذا ويسطره، ويقول: هذه ضلالاتهم فانظروا كيف عملوا! وقال: ونظير هذا ما يحكى عن فلان أنه سمع رجلاً يؤذن، فقال: طعنة وسم الموت، لأنه لا يريد أن يسمع لفظ الجلالة، وسمع كلباً ينبح، فقال: لبيك وسعديك، وسمع الشبلي مرة رجلاً يقول: جل الله، فقال: أحب أن تجله عن هذه.. ويا عجباً ممن يعد هذا في مناقب رجل! يقول ابن القيم : عجيب أن هذا يعد في مناقب فلان وفلان، ويزين به كتابه.. وهكذا، وكذلك تكلم على سمنون -وهو من المتصوفة - وكان من غروره أن قال:

وليس لي من هواك بدٌ فكيف ما شئت فامتحني

يقول: يا ألله! مثلما تريد أن تعمل فيَّ أنا مستعد، وأنت فقط اعمل الذي تريد، ويقول: اللهم اجعلني سقف البلاء على خلقك، إذا أردت أن تنزل بلية على الخلق أنزلها عليَّ فأنا مستعد أن أتحمل، فابتلاه الله بحصوة في الكلية، أو بعسر البول، فكان يقفز مثل القرد من الألم، ويطوف على صبيان المكاتب، ويقول: ادعوا لعمكم الكذاب.
نبذة عن إغاثة اللهفان تبين تصدي ابن القيم للتصوف المنحرف:
كتاب ابن القيم رحمه الله إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان فيه ذكر كثير، ورد كبير على الصوفية وعلى طرقهم المنحله، فقال في إحدى القصائد التي نقلها عن مبلغ علم الصوفي بالشريعة:

إن قلت قال الله قال رسولــــــــه همزوك همز المنكر المتغالي
أو قلت قد قال الصحابة والألـى تبعوهمُ في القول والأعمـــالِ
أو قلت قال الآل آل المصطفــى صلى عليـه الله أفضــــــل آل
أو قلت قال الشافعي و أحمــــــد وأبو حنيفة والإمام العــــــالي
أو قلت قال صحابهم من بعـــــد هم فالكل عندهم كشبه خيـــالِ

كل هؤلاء لا يعجبون الصوفية ، ولا يأخذون بهم لا بالكتاب ولا بالسنة، ولا بأقوال الأئمة، وإنما يأخذون كما قال:

ويقول: قلبي قال لي عن سره عن سـر سري عـن صـفا أحـوالـــــــــــي
عن حضرتي عن فكرتي عـن خلوتي عن شاهدي عن واردي عن حالي
عن صفو وقتي عـن حقيقــــة مشهدي عن سر ذاتي عن صفات فـعالـي

هذا هو كلام الصوفية.

دعوى إذا حققتها ألفيتهـــــــا ألقـاب زور لفقــت بمحــــــــــالِ
تركوا الحقائق والشرائـــــــع واقتدوا بظواهر الجهال والظلال

نبذة من النونية في ذم التأويل:

وكذلك تجد ابن القيم -رحمه الله- عندما يرد على الأشاعرة المنحرفين في مسائل الصفات، يهزأ بهم بما يشعر السامع بضلالهم فعلاً، ليس بالسب والشتم، وإنما انظر إليه وهو يقول في النونية المسماة بـالكافية الشافية في الانتصار للفرقة ا لناجية ، هذه القصيدة بلغت ستة آلاف بيت، نظمها من البحر الطويل، كلها منافحة عن الكتاب والسنة، ودعوة للكتاب والسنة، ورد على المبتدعة، تقرأ وأنت تشعر أن الرجل يتكلم من قلبه، وليس شاعراً يؤلف من خياله، فانظر مثلاً وهو يرد على الجهمية في الاستواء؛ لأن الجهمية قالوا: استوى بمعني: استولى، قال: أمر اليهود بأن يقولوا حطة فأبوا وقالوا: حنطةً لهوان

اليهود قال الله لهم: قولوا: حطة، بمعنى: اللهم حط عنا ذنوبنا، فأضافوا النون، وقالوا: حنطة! استهزاءً وسخرية.

وكذلك الجهمي قيل له: استوى فأبى وزاد اللام للنكران

أي: قال: استولى. ثم يقول ابن القيم :

نون اليهود ولام جهمي هما في وحي رب العرش زائدتان

كلام ابن القيم عن المرجئة من النونية:
وقال في المرجئة الذين يقولون: من قال: لا إله إلا الله إيمانه صحيح، ومهما فعل فهو مسلم، وإذا ارتكب كبائر فهي معاصي لكنه لا يكفر مهما فعل، لأنه قال: لا إله إلا الله، وهذه العقيدة خطيرة، لأنه يمكن أن يقول أحدهم: لا إله إلا الله ورجله فوق المصحف، وتقول: هذا مسلم، وهو ينقض لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله لها شروط، وليست كلمة تقال هكذا.. يقول ابن القيم رحمه الله: وكذلك الإرجاء حين تقر بالـمعبود تصبح كامل الإيمانِ، على زعم المرجئة .

فارم المصاحف في الحشوش وخرب البيت العتيق وجد في العصيانِ
واشتم جميع المرسلين ومــــن أتوا من عنده جهراً بلا كتمــــــــــــــانِ
وإذا رأيت حجـارةً فاسجــــــد لها بل خِرّ للأصنام والأوثــــــــــــــانِ
وأقـرَّ أن الله جـل جلالـــــــــه ووحده البـاري لذي الأكـــــــــــــــوانِ
وأقرَّ أن رسوله حقـاً أتــــــــى من عنـده بالوحـي والقـــــــــــــــــرآن
فتكون حقاً مؤمـناً وجمـيــــــع ذا وزرٌ علـيك وليس بالكفـــــــــــرانِ

ثم يقول:

هذا هو الإرجاء عند غلا تهم من كل جهمي أخي الشيطانِ

يقول: هذه عقيدة المرجئة تكفر وتفعل ما تريد، لكن المهم أن تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فتصبح مسلماً.

مقتطفات متفرقة من حياة ابن القيم:

مميزات مؤلفات ابن القيم:

تتميز مؤلفات ابن القيم رحمه الله بأنه يأتي بالوجوه العظيمة سواءً كان في البيان، أو في الرد، بل إنه أحياناً يأتي في مسألة يقول: استدل المخالفون بكذا، ويأتي بعشرين وجه، إذا قرأتها تقول: الآن اقتنعت، وتقول: مستحيل أن أحداً يرد عليها، ثم يقول ابن القيم : أما الجواب عن الوجه الأول، كذا وكذا، والجواب عن الوجه الثاني كذا وكذا، والجواب على الوجه الثالث كذا وكذا، فينسفها كلها بعد أن تكون قد اقتنعت بها.

حث ابن القيم على طلب العلم:

كذلك مثلاً: كان يبين فضل العلم، ويريد أن يقول للناس: يأ يها الناس! اهتموا بالعلم، ولا تهتموا بجمع الأموال، ولا تشغلكم الدنيا عن العلم، فمثلاً يقول: العلم أفضل من المال لعدة وجوه: أولاً: أن العلم ميراث الأنبياء، والمال ميراث الملوك والأغنياء. ثانياً: أن العلم يحرس صاحبه، وصاحب المال يحرس ماله، فالذي عنده مال يسهر على حراسة المال، لكن العلم هو الذي يحرس صاحبه من الوقوع في الضلال، والزيغ والبدع.. وهكذا. ثالثاً: أن المال تذهبه النفقات، والعلم يزكو مع الإنفاق، ويزداد ويرسخ. رابعاً: أن صاحب المال إذا مات يفارقه ماله، والعالم يدخل معه علمه في قبره. خامساً: أن العلم حاكم على المال، والمال لا يحكم على العلم، فالعلم يحكم في المال.. الزكاة تحكم في العلم.. المواريث تحكم في العلم.. النذور تحكم في العلم.. وهكذا، لكن المال لا يحكم في العلم. سادساً: أن المال يحصل للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، والعلم النافع لا يحصل إلا للمؤمن. سابعاً: أن العالم يحتاج إليه الملوك فمن دونهم، وصاحب المال يحتاج إليه أهل العدم والفاقة.. العالم الحقيقي لا يقف على أبواب السلاطين، جاء سليمان بن عبد الملك إلى مكة ليحج، فسأل هو وولداه على مسألة في الحج، ودخل على عطاء بن أبي رباح الرجل الأسود الأعمى الأفطس الأعرج المشلول -دخل عليه سليمان بن عبد الملك ، فوجد عطاء يصلي، وأطال في الصلاة ولم يعبر سليمان الخليفة، وانتظر سليمان حتى فرغ عطاء من الصلاة، فسأله، فما التفت إليه عطاء وإنما أجابه على السؤال ووجهه إلى القبلة، فلما خرج سليمان قال لأبنائه: يا بني! اطلبوا العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود، هذا عطاء بن أبي رباح العبد الأسود لما كان صغيراً وجد مشوهاً، وكان فيه هذه العيوب الخلقية، فقالت له أمه- والأم تحب الولد-: يا بني! اطلب العلم، فإن شكلك ومنظرك لا يمكن أن ينظر إليك الناس؛ لكن اطلب العلم، فطلب العلم من صغره، فصار قاضي مكة ، وكان يأتي إليه الأجلاء يطلبون عنده العلم، وكان من خلقته أنه مرة كان يدعو الله، ويقول: اللهم اعتق رقبتي من النار، فمرت به عجوز، فقالت: وأي رقبة لك يا بني، بمعنى أن رأسه داخل في جسده، هذا الرجل أصبح قاضي مكة ، إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين. ثامناً: المال يدعو إلى الطغيان والفخر، والعلم يدعو إلى التواضع والعبودية. تاسعاً: غنى العلم أجل من غنى المال.. غنى المال أمر خارجي عن الإنسان لو ذهب في ليلة لأصبح الإنسان فقيراً، لكن لم نر أن عالماً نام ثم استيقظ في الصباح ووجد نفسه ليس عنده علم، لكن يمكن أن تجد شخصاً مليونيراً نام في الليل، ورأى في البورصة تحققت أحلامه فيقوم اليوم الثاني وعليه ديون الدنيا. إذن عندما يأتي أحد الناس ويقول: هذه أوجه التفاضل بين العلم والمال، فالعاقل يقتنع حقيقةً.

حث ابن القيم على ذكر الله:

عندما يتكلم ابن القيم -رحمه الله- عن الأذكار مثلاً.. يقول: إن العبد مطالب أن يذكر الله ولو ذكره في أربع مواطن لدل على صدق العبد:
1- عند النوم.
2- أول ما يستيقظ من النوم.
3- في الصلاة.
4- عند الأهوال والشدائد.

لأن الإنسان عند الشدائد يذكر أقرب شيء لنفسه، فلو كان يذكر الله أول ما تحصل له الشدة، فهذا يدل على أنه مرتبط بالله عز وجل.

تفاؤل ابن القيم:

وهذا الرجل مما يمتاز به أنه من العلماء العاملين، فمثال ذلك: أنه يدعو الناس إلى التفاؤل -كما وردت به السنة- ونبذ التشاؤم، وهذه قصة وقعت له، يقول في آخر كتاب مفتاح دار السعادة: وأخبرك عن نفسي بقضية من ذلك، وهي أني أضللت بعض الأولاد يوم التروية بـمكة وكان طفلاً، فجهدت في طلبه والنداء عليه في سائر الركب إلى وقت يوم الثامن، فلم أقدر له على خبر، فأيست منه، فقال لي إنسان: إن هذا عجزٌ، اركب وادخل الآن إلى مكة فتطلبه، فركبت فرساً، فما هو إلا أن استقبلت جماعةً يتحدثون في سواد الليل في الطريق، وأحدهم يقول: ضاع لي شيء فلقيته، والتفاؤل هو أنك تسمع قولاً، أو ترى شيئاً حسناً فتتفاءل منه، فقد يجري الله بقدره بهذا التفاؤل أن يحدث لك ما تريده أنت، فـابن القيم يبحث عن الولد، فيقول: فسمعت إنساناً يقول: ضاع لي شيء فوجدته، ثم قال: فلا أدري انقضاء كلمته أسرع أم وجد الطفل مع بعض أهل مكة في محملة عرفته بصوته.

مساهمة ابن القيم في حلول المشاكل الاجتماعية والأمراض النفسية:

لابن القيم -رحمه الله- إسهام كبير في حلول المشاكل الاجتماعية والأمراض النفسية، فمثلاً: كلامه في الوسوسة موجود في إغاثة اللهفان وغيره، وهو كلام عظيم جداً، والوسوسة مرض خطير، وأيضاً: مرض الهوى والعشق وهو مرض قاتل وخطير جداً؛ ولذلك ألف ابن القيم رحمه الله كتاب الجواب الكافي لعلاج هذا المرض، وهذا الكتاب عبارة عن سؤال وهو: ماذا تقول سادة العلماء أئمة الدين برجل ابتلي ببلية، وعلم أنه إذا استمرت عليه، أفسدت عليه دنياه وآخرته، وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق، فما يزداد إلا توقداً وشدةً، فما الحيلة إلى دفعها؟ وما الطريق إلى كشفها؟ رحم الله من أعان مبتلى، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه أفتونا مأجورين؟ فيذهب ويصنف كتاباً في علاج هذا المرض؛ من أجل سؤال، ثم ينصحه فيقول: أولاً: ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواء، وشفاء العي السؤال، ثم يتكلم عن الرقية، ثم يتكلم عن الدعاء وأهمية الدعاء في علاج مرض العشق والهوى، وكيف يكون الدعاء صادقاً، ودعاء الله بأسمائه الحسنى، وموانع الدعاء، وشروط الدعاء، وآداب الدعاء، وحسن الظن بالله، وإيثار الآخرة على الدنيا، ويتكلم عن عذاب القبر، وأن على المسلم أن يرجو الله، ويتكلم عن أضرار الذنوب؛ لأن العشق والهوى يملأ الإنسان بالذنوب، ويقول: الذنوب مثل السم في الجسم وينتج عنها حرمان العلم والوحشة والقلق والمهانة عند الله وعند الخلق، والذل، وإفساد العقل والقلب، والدخول تحت اللعنة، ويتكلم عن عقوبة العصاة في الآخرة، وحدود الله في العصاة في الدنيا.. الزنا واللواط، ويتكلم عن الحدود، وعن عاقبة قوم لوط، وكيف فعل الله بقوم لوط، ويتكلم عن خطورة عشق الصور، وماذا تودي بالإنسان؟ وأنها تقذف به إلى الشرك، فكان هذا منهجه في علاج مشكلة الهوى والعشق.

شهرة ابن القيم بضرب الأمثال:

كان -رحمه الله- مشهوراً بضرب الأمثال، فمثلاً يقول في قضية التوكل: ينبغي أن يوكل المرء أمره إلى الله، ويشعر أنه إذا وكل أمره إلى الله كأنه دخل حصناً حصيناً، والأعداء لا يستطيعون أن يصلوا إليه، وكذلك حال الإنسان في الإنفاق وهو يتوكل على الله وينفق، يقول: مثل ملك قال لأحد رعيته: إذا أنفقت، أعطيك بدل الذي أنفقته من خزائني أضعافه، فإذا علم صدق الملك، ووثق به، واطمئن إليه، وعلم أن خزينة الملك لا تنفذ، فما الذي يمنعه من الإنفاق، ثم يمثل المتوكل بحال الطفل الرضيع، الذي لا يعرف من الدنيا إلا ثدي الأم، فلا يهتدي إلا إليه ولا يقبل على غيره، وكذلك ينبغي أن يكون المتوكل على الله مثل الطفل الذي يقبل على ثدي أمه. ومن أمثاله أيضاً: يقول: السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمراتها، فمن كانت أنفاسه في طاعة، فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية، فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاد يوم المعاد، ثم يقول: إن هذه الشجرة ينبغي أن تسقى بماء الإخلاص والمتابعة لتكون الثمار طيبة في الآخرة. وعندما يتكلم ابن القيم في مدارج السالكين عن منازل من أعمال القلوب، تنذهل وتندهش حقيقةً من القدرة التي أوتيها هذا الرجل -رحمه الله تعالى- فمثلاً عندما يتكلم عن المحبة يقول: الحمد لله الذي جعل المحبة إلى الظفر بالمحبوب سبيله، ونصب طاعته والخضوع له على صدق المحبة دليله، وحرك بها النفوس إلى أنواع الكمالات إيثاراً لطلبها وتحصيله، والمحبة هي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها.. إلى آخره.

قدرة ابن القيم على التحليلات النفسية:

ابن القيم -رحمه الله- صاحب فكر مدقق، وكان يفكر في الواقع حتى يربط بين الحيوانات وبين البشر، وله تحليلات نفسية جميلة جداً لا ترقى إليها إلا كبار العقول في هذه المسألة. يقول: من الناس نفوسهم حيوانية لا هم لهم إلا في الأكل والشرب، وليس عندهم اهتمام بالشريعة. ومن الناس نفوسهم كلبية لو صادف جيفة تشبع ألفاً، وقع عليها، وكلما أتى واحد نبح، لا يريد أن يأتي إليها. ومن الناس طبعه طبع الخنزير يمر بالطيبات فلا يلوي عليها، لكن إذا وقع على قيء جاء عليه، يقول: هذا مثله مثل إنسان يرى في الناس أشياء طيبة وخصال طيبة، ثم يرى بعض العيوب فينسى كل الأشياء الطيبة ويأتي على العيوب. ومنهم على طبيعة الطاووس ليس له إلا التزين والتطيب والتريش، وليس له وراء ذلك من شيء. ومنهم من هو على طبيعة الجمل أحقد الحيوانات وأغلظها كبداً. ومنهم مثل: العقرب والحية لا يستريح إلا إذا نفث سمه في غيره؛ ولذلك إذا ما آذى أحداً من الخلق، يظل متوتراً طيلة اليوم، حتى يؤذي واحداً من الخلق فيستريح، مثل: العقرب الذي يفرغ سمه في الناس. وكذلك يقول: انظر إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (السكينة والوقار في أهل الغنم، والخيلاء والفخر في أهل الإبل) يحلل تحليلات؛ فمثلاً: الغنم والبقر وغيرها ترى رأسها إلى أسفل، والجمل رأسه إلى فوق ورقبته طويلة.. لا تجد البعير رأسه في الأرض، ولذلك البادية الأعراب.. أصحاب الإبل عندهم كبر وخيلاء وفخر، وأهل الغنم -أحياناً- تجد عندهم نوعاً من السكينة والتواضع. وكذلك يقول: من الناس من نفوسهم حمارية، لم تخلق إلا للكد والعلف، وليس عندهم بصيرة، صمٌ بكمٌ عميٌ؛ لذلك ضرب الله الذي لا ينتفع بالعلم مثل الحمار يحمل أسفاراً. وقال: من الناس من طبيعته فأرية فاسدٌ بطبعه، مفسدٌ لما جاوره، مثل: الفأر. ولما تكلم عن النمل، قال -رحمه الله-: ومن عجيب أمرها أن تقتل الملوك الظلمة المفسدة، ولا تدين بطاعتها، وتأتي بمجموعات وتتعاون، وكل نملة تجتهد في صلاح العامة غير مختزنه شيئاً من الحب لنفسها. ثم يتكلم عن الحمام، فيقول: القيمون على الحمام يعتنون بأنسابها اعتناءً عظيماً، فيفرقون بين ذكورها وإناثها حتى لا يحصل اختلاط في النسب، والقيمون على الحمام لا يحفظون أرحام نسائهم، ويحتاطون كما يحفظون أرحام حمامهم ويحتاطون، ويتكلم عن الحمام وعن مشابهة طباع الحمام لطباع النساء منها: من لا ترد يد لامس، وأخرى لا تنام إلا بعد طلب حثيث، وأخرى لا تمكن منها ذكراً إلا زوجها، وأخرى إذا غاب زوجها رضيت بأي أحد، وأخرى لا تمتنع على أحد، ومنها من إذا طارت البيضة أفسدتها، وذكر أموراً كثيرة جداً تدل على فقهه بالواقع رحمه الله.

وفاة ابن القيم رحمه الله:
كانت وفاة ابن القيم رحمه الله تعالى ليلة الخميس، الثالث عشر من شهر رجب، وقت أذان العشاء سنة 751هـ بعد أن أكمل ستين سنة رحمه الله تعالى. اللهم اغفر لهذا العلم من أعلام المسلمين، اللهم وسع له في قبره ونوره له، واجعله له روضةً من رياض الجنة آمي
ملتقى أهل الحديث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ArabO Arab Search Engine & Directory 0

تعريب وتطوير حسن