للاعلان الاتصالamlstars@hotmail.com

الجمعة، 30 أكتوبر 2009

هل تـــعلم ؟~معلومات من ذهــب~و الله من لم يدخل خــاسر


هل تعـــــــــلم؟ هل تعلم أن أول من تمنى الموت ؟ يوسف عليه السلام
هل تعلم أن أول ما يرفع من أعمال هذه الأمة ؟ الصلوات الخمسة
هل تعلم أن أول صلاة صلاها رسول الله ؟ هي صلاة الظهر
هل تعلم أن أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ؟ هو محمد صلى الله عليه وسلم
هل تعلم أن أول من يقرع باب الجنة ؟ هو محمد - صلى الله عليه وسلم
هل تعلم أن أول شافع وأول مشفع ؟ هو محمد صلى الله عليه وسلم
هل تعلم أن أول أمة تدخل الجنة ؟ هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم
هل تعلم أن أول من أذن في السماء ؟ جبريل عليه السلام
هل تعلم أن أول من قدر الساعات الاثنى عشرة ؟ نوح عليه السلام في السفينة ليعرف مواقيت الصلاة
هل تعلم أن أول من ركب الخيل ؟ هو إسماعيل عليه السلام
هل تعلم أن أول من سمى الجمعة الجمعة ؟ كعب بن لؤي
هل تعلم أن أول من قال سبحان ربي الأعلى ؟ هو إسرافيل عليه السلام
هل تعلم أن أول ما نزل من القرآن الكريم ؟ اقرأ باسم ربك الذي خلق
هل تعلم أن أول من خط بالقلم ؟ هو إدريس عليه السلام
هل تعلم أن آخر ما نزل من القرآن الكريم ؟ واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله
هل تعلم أن أول ما نزل من التوراة ؟ بسم الله الرحمن الرحيم
هل تعلم أن أول من جاهد في سبيل الله ؟ إدريس عليه السلام
هل تعلم أن أعظم آية في القرآن الكريم ؟ آية الكرسي
من قال ( سبحان الله و بحمده ) مئة مره غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر .
من قال (بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولآ قوة إلا بالله العلي العظيم سبعا' بعد صلآتي الصبح والمغرب كتب من السعداء ولو كان من الأشقياء .
من قال ( لآ إله إلآ إنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) و هو في شده فرج الله عنه ... كما فرج عن يونس عليه السلآم عندما قال هذه الكلمات في بطن الحوت
قال عليه الصلاة والسلام كلمتان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
قال ابن القيم رحمه الله أربعة أشياء تُمرض الجسم الكلام الكثير * النوم الكثير * والأكل الكثير *الجماع الكثير
وأربعة تهدم البدن الهم * والحزن * والجوع * والسهر
وأربعة تيبّس الوجه وتذهب ماءه وبهجته الكذب * والوقاحة * والكثرة السؤال عن غير علم * وكثرة الفجور
وأربعة تزيد في ماء الوجه وبهجته التقوى * والوفاء * والكرم * والمروءة
وأربعة تجلب الرزق قيام الليل * وكثرة الاستغفار بالأسحار * وتعاهد الصدقة * والذكر أول النهار وآخرة
وأربعة تمنع الرزق نوم الصبحة * وقلة الصلاة * والكسل * والخيانة
من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه إن كانت مثل زبد البحر متفق عليه من قال سبحــــان الله وبحمده . غرست له به نخلة في الجنة . من قال سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ثلاث مرات

نريد أن نخدم الإسلام ولا نعمل!


• الإسلام اليوم يمرُّ بأخطر مرحلة منذ عهد الرسالة.
• المسلمون اليوم هم أضعف من أن يأبه أحدٌ لهم.
• لقد تعدَّدت المخططات على بلاد الإسلام من كل حدب وصوب.
• إنهم يفعلون ويفعلون... إلخ.
• هذه أقوال، وغيرها كثير، كثيرًا ما نسمعها ونردِّدها، لكن - وفي المقابل - لم يسأل أحد بنفس الدرجة:ماذا عملت - أنت - لدين الله؟!• هلاَّ حافظتَ على الفرائض، وانتهيت عن النواهي.• ألا زِلت حتى الآن ترفع شعار مساوئ الأخلاق؟• هل لا زلتْ حتى الآن معرفتُك بدين الله تقتصر على بعض أحكام للصلاة والصوم، والحج متى نويته؟!• لماذا لم تقدِّم شيئًا على أرض الواقع لأخيك في مجاهل إفريقية، ناهيك عن فلسطين؟!• هلا كنت لَبِنةً في بناء اقتصاد إسلامي مكين، وزراعة إستراتيجية حيوية، وصناعة رشيدة قوية؛ فمن لا يملك قُوتَه، لا يملك قراره.• هلا تعلَّم أولادُك السيرة، وحفظوا القرآن، وأعددتهم لخدمة دين الله.• أين أنت من دعوة الآخرين لنور الإسلام؟!

وحاصل الكلام:
أنْ لا وقت للكلام؛ بل المطلوب العمل، المطلوب منك - أيها المسلم - أن تعدَّ نفسك بدايةً من المحافظة على أوامر الله - تعالى - والتزيِّي بجميل الأخلاق، وتعلُّم دين الله، وأن تخدم إخوانك بكل سبيل، وأن تؤدي عملك بإتقان، وأن تربِّي ولدك على مائدة القرآن، وأن تنقل ذلك كله للناس في مشارق الأرض ومغاربها، فهذا هو بداية الطريق الصحيح، إن أردنا - حقًّا - خدمة دين الله - تعالى.

اماكن واوقات استجابة الدعاء ..



هل تعلمين اختي الفاضلة ان وقت استجابة الدعاء هو
ساعة يوم الجمعة
عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا الا اعطاه اياه ".
واشار بيده يقللها رواه البخاري ومسلم.

فقه الواقع عند ابن القيم


فقه الواقع عند ابن القيم:

كان ابن القيم -رحمه الله- لديه إلمام تام بواقعه وعصره، ما كان يعيش بين الكتب منزوياً لا يدري عن شيء؛ بل كان لديه اطلاع جيد، وكان يعرف البدع وأهل الأهواء في عصره، وكان في عصره هجوم للنصارى على بلاد المسلمين، وهجوم للتتر، وكان رحمه الله يعرف مخططات النصارى في بلاد المسلمين، انظر إليه وهو ييقول في كتابه الجواب الكافي -هذه مسألة مهمة جداً وهي أن نعلم كيف كان العلماء من قبل عندهم تكامل، لم يكونوا مغمضي الأعين عما يحدث في الواقع؛ بل كان لديهم حس ومعرفة، وإلمام واطلاع- يقول: "وإذا أراد النصارى أن يُنصِّروا الأسير المسلم، أروه امرأة جميلة منهم، وأمروها أن تطمعه في نفسها -وصارت هي التي تدخل عليه السجن- حتى إذا تمكن حبها من قلبه، بذلت له نفسها إن دخل في دينها، يقول ابن القيم رحمه الله تعليقاً: فهناك يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]" هذا ابن القيم رحمه الله كان يعرف عن مخططات النصارى، وهذه سمة يفتقدها ويفتقر إليها كثير من أصحاب النيات الطيبة في هذا الزمان، فإنهم قد يقرءون في كتب العلم الشرعي، والأصول الشرعية، لكنهم لا يدرون شيئاً عن مخططات العلمانية، و الماسونية، و الشيوعية، والمذاهب الإلحادية الهدامة، لا يدرون عنها شيئاً، فقط علمهم بالقديم أما الجديد فلا. وأيضاً هناك طائفة أخرى على الضد من ذلك يتوسعون في معرفة الطوائف، ومعرفة المذاهب الفكرية الجديدة، ومعرفة المخططات والاستعمار وغير ذلك، لكنهم لا يعرفون أبداً ما هو مسطر في كتب السلف ، لكن عندما يأتي واحد مثل: ابن القيم ويقول هذا الكلام، وعنده علم شرعي زائد، وإلمام بالواقع، وشيخه ابن تيمية رحمه الله الذي درس على يديه، وكان يعرف مخططات التتر، ويكتب عنهم، ويحذر منهم، ويجعل الأمة تنهض نهضة عامة لتنتصر على التتر، ويقسم أيماناً أن المسلمين سينتصرون على التتر، وكان ابن تيمية يوزع حلوى النصر قبل أن تقوم المعركة، ويقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، ويعرف المخططات، ويعرف خطر النصيرية في الجبال، فيذهب إليهم ابن تيمية رحمه الله ومعه جيش الإسلام فيؤدبهم.. علماء أجلاء عرفوا الواقع، وكان عندهم علم بالشريعة، فحصل الخير العظيم بوجودهم.

موقف ابن القيم من أهل البدع:

وكان أيضاً مما فعله ابن القيم -رحمه الله- تصديه لتيارات الصوفية المنحرفة من أصحاب وحدة الوجود والحلول والاتحاد الذين يقولون: الله في كل مكان.. في الشارع.. في الخلاء، وأن المخلوقين جزء من الله. كما قال قائلهم:

وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهبٌ في كنيسته

كان ابن القيم -رحمه الله- ممن تصدوا للتيارات المنحرفة، ويقول -مثلاً- فاضحاً لهم: سئل الشبلي من المتصوفة متى تستريح؟ قال: إذا ما رأيت له ذاكراً -أي: إذا ما رأيت أحداً يذكر الله، أستريح- لماذا؟ قال: لأني أغار، فلذلك لا أريد أحد يذكر الله -فهذا من الضلال والعياذ بالله- ثم قال: مات ابن له، فقطعت أمه شعرها، فدخل هو الحمام ونور لحيته -يعني: أزال اللحية حتى ذهب شعر هذا الضال- فقيل له: لماذا فعلت هذا؟ قال: إنهم يعزونني على الغفلة، ويقولون: آجرك الله، ففديت ذكرهم لله على الغفلة بلحيتي. و ابن القيم رحمه الله يذكر هذا ويسطره، ويقول: هذه ضلالاتهم فانظروا كيف عملوا! وقال: ونظير هذا ما يحكى عن فلان أنه سمع رجلاً يؤذن، فقال: طعنة وسم الموت، لأنه لا يريد أن يسمع لفظ الجلالة، وسمع كلباً ينبح، فقال: لبيك وسعديك، وسمع الشبلي مرة رجلاً يقول: جل الله، فقال: أحب أن تجله عن هذه.. ويا عجباً ممن يعد هذا في مناقب رجل! يقول ابن القيم : عجيب أن هذا يعد في مناقب فلان وفلان، ويزين به كتابه.. وهكذا، وكذلك تكلم على سمنون -وهو من المتصوفة - وكان من غروره أن قال:

وليس لي من هواك بدٌ فكيف ما شئت فامتحني

يقول: يا ألله! مثلما تريد أن تعمل فيَّ أنا مستعد، وأنت فقط اعمل الذي تريد، ويقول: اللهم اجعلني سقف البلاء على خلقك، إذا أردت أن تنزل بلية على الخلق أنزلها عليَّ فأنا مستعد أن أتحمل، فابتلاه الله بحصوة في الكلية، أو بعسر البول، فكان يقفز مثل القرد من الألم، ويطوف على صبيان المكاتب، ويقول: ادعوا لعمكم الكذاب.
نبذة عن إغاثة اللهفان تبين تصدي ابن القيم للتصوف المنحرف:
كتاب ابن القيم رحمه الله إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان فيه ذكر كثير، ورد كبير على الصوفية وعلى طرقهم المنحله، فقال في إحدى القصائد التي نقلها عن مبلغ علم الصوفي بالشريعة:

إن قلت قال الله قال رسولــــــــه همزوك همز المنكر المتغالي
أو قلت قد قال الصحابة والألـى تبعوهمُ في القول والأعمـــالِ
أو قلت قال الآل آل المصطفــى صلى عليـه الله أفضــــــل آل
أو قلت قال الشافعي و أحمــــــد وأبو حنيفة والإمام العــــــالي
أو قلت قال صحابهم من بعـــــد هم فالكل عندهم كشبه خيـــالِ

كل هؤلاء لا يعجبون الصوفية ، ولا يأخذون بهم لا بالكتاب ولا بالسنة، ولا بأقوال الأئمة، وإنما يأخذون كما قال:

ويقول: قلبي قال لي عن سره عن سـر سري عـن صـفا أحـوالـــــــــــي
عن حضرتي عن فكرتي عـن خلوتي عن شاهدي عن واردي عن حالي
عن صفو وقتي عـن حقيقــــة مشهدي عن سر ذاتي عن صفات فـعالـي

هذا هو كلام الصوفية.

دعوى إذا حققتها ألفيتهـــــــا ألقـاب زور لفقــت بمحــــــــــالِ
تركوا الحقائق والشرائـــــــع واقتدوا بظواهر الجهال والظلال

نبذة من النونية في ذم التأويل:

وكذلك تجد ابن القيم -رحمه الله- عندما يرد على الأشاعرة المنحرفين في مسائل الصفات، يهزأ بهم بما يشعر السامع بضلالهم فعلاً، ليس بالسب والشتم، وإنما انظر إليه وهو يقول في النونية المسماة بـالكافية الشافية في الانتصار للفرقة ا لناجية ، هذه القصيدة بلغت ستة آلاف بيت، نظمها من البحر الطويل، كلها منافحة عن الكتاب والسنة، ودعوة للكتاب والسنة، ورد على المبتدعة، تقرأ وأنت تشعر أن الرجل يتكلم من قلبه، وليس شاعراً يؤلف من خياله، فانظر مثلاً وهو يرد على الجهمية في الاستواء؛ لأن الجهمية قالوا: استوى بمعني: استولى، قال: أمر اليهود بأن يقولوا حطة فأبوا وقالوا: حنطةً لهوان

اليهود قال الله لهم: قولوا: حطة، بمعنى: اللهم حط عنا ذنوبنا، فأضافوا النون، وقالوا: حنطة! استهزاءً وسخرية.

وكذلك الجهمي قيل له: استوى فأبى وزاد اللام للنكران

أي: قال: استولى. ثم يقول ابن القيم :

نون اليهود ولام جهمي هما في وحي رب العرش زائدتان

كلام ابن القيم عن المرجئة من النونية:
وقال في المرجئة الذين يقولون: من قال: لا إله إلا الله إيمانه صحيح، ومهما فعل فهو مسلم، وإذا ارتكب كبائر فهي معاصي لكنه لا يكفر مهما فعل، لأنه قال: لا إله إلا الله، وهذه العقيدة خطيرة، لأنه يمكن أن يقول أحدهم: لا إله إلا الله ورجله فوق المصحف، وتقول: هذا مسلم، وهو ينقض لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله لها شروط، وليست كلمة تقال هكذا.. يقول ابن القيم رحمه الله: وكذلك الإرجاء حين تقر بالـمعبود تصبح كامل الإيمانِ، على زعم المرجئة .

فارم المصاحف في الحشوش وخرب البيت العتيق وجد في العصيانِ
واشتم جميع المرسلين ومــــن أتوا من عنده جهراً بلا كتمــــــــــــــانِ
وإذا رأيت حجـارةً فاسجــــــد لها بل خِرّ للأصنام والأوثــــــــــــــانِ
وأقـرَّ أن الله جـل جلالـــــــــه ووحده البـاري لذي الأكـــــــــــــــوانِ
وأقرَّ أن رسوله حقـاً أتــــــــى من عنـده بالوحـي والقـــــــــــــــــرآن
فتكون حقاً مؤمـناً وجمـيــــــع ذا وزرٌ علـيك وليس بالكفـــــــــــرانِ

ثم يقول:

هذا هو الإرجاء عند غلا تهم من كل جهمي أخي الشيطانِ

يقول: هذه عقيدة المرجئة تكفر وتفعل ما تريد، لكن المهم أن تقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فتصبح مسلماً.

مقتطفات متفرقة من حياة ابن القيم:

مميزات مؤلفات ابن القيم:

تتميز مؤلفات ابن القيم رحمه الله بأنه يأتي بالوجوه العظيمة سواءً كان في البيان، أو في الرد، بل إنه أحياناً يأتي في مسألة يقول: استدل المخالفون بكذا، ويأتي بعشرين وجه، إذا قرأتها تقول: الآن اقتنعت، وتقول: مستحيل أن أحداً يرد عليها، ثم يقول ابن القيم : أما الجواب عن الوجه الأول، كذا وكذا، والجواب عن الوجه الثاني كذا وكذا، والجواب على الوجه الثالث كذا وكذا، فينسفها كلها بعد أن تكون قد اقتنعت بها.

حث ابن القيم على طلب العلم:

كذلك مثلاً: كان يبين فضل العلم، ويريد أن يقول للناس: يأ يها الناس! اهتموا بالعلم، ولا تهتموا بجمع الأموال، ولا تشغلكم الدنيا عن العلم، فمثلاً يقول: العلم أفضل من المال لعدة وجوه: أولاً: أن العلم ميراث الأنبياء، والمال ميراث الملوك والأغنياء. ثانياً: أن العلم يحرس صاحبه، وصاحب المال يحرس ماله، فالذي عنده مال يسهر على حراسة المال، لكن العلم هو الذي يحرس صاحبه من الوقوع في الضلال، والزيغ والبدع.. وهكذا. ثالثاً: أن المال تذهبه النفقات، والعلم يزكو مع الإنفاق، ويزداد ويرسخ. رابعاً: أن صاحب المال إذا مات يفارقه ماله، والعالم يدخل معه علمه في قبره. خامساً: أن العلم حاكم على المال، والمال لا يحكم على العلم، فالعلم يحكم في المال.. الزكاة تحكم في العلم.. المواريث تحكم في العلم.. النذور تحكم في العلم.. وهكذا، لكن المال لا يحكم في العلم. سادساً: أن المال يحصل للمؤمن والكافر، والبر والفاجر، والعلم النافع لا يحصل إلا للمؤمن. سابعاً: أن العالم يحتاج إليه الملوك فمن دونهم، وصاحب المال يحتاج إليه أهل العدم والفاقة.. العالم الحقيقي لا يقف على أبواب السلاطين، جاء سليمان بن عبد الملك إلى مكة ليحج، فسأل هو وولداه على مسألة في الحج، ودخل على عطاء بن أبي رباح الرجل الأسود الأعمى الأفطس الأعرج المشلول -دخل عليه سليمان بن عبد الملك ، فوجد عطاء يصلي، وأطال في الصلاة ولم يعبر سليمان الخليفة، وانتظر سليمان حتى فرغ عطاء من الصلاة، فسأله، فما التفت إليه عطاء وإنما أجابه على السؤال ووجهه إلى القبلة، فلما خرج سليمان قال لأبنائه: يا بني! اطلبوا العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود، هذا عطاء بن أبي رباح العبد الأسود لما كان صغيراً وجد مشوهاً، وكان فيه هذه العيوب الخلقية، فقالت له أمه- والأم تحب الولد-: يا بني! اطلب العلم، فإن شكلك ومنظرك لا يمكن أن ينظر إليك الناس؛ لكن اطلب العلم، فطلب العلم من صغره، فصار قاضي مكة ، وكان يأتي إليه الأجلاء يطلبون عنده العلم، وكان من خلقته أنه مرة كان يدعو الله، ويقول: اللهم اعتق رقبتي من النار، فمرت به عجوز، فقالت: وأي رقبة لك يا بني، بمعنى أن رأسه داخل في جسده، هذا الرجل أصبح قاضي مكة ، إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين. ثامناً: المال يدعو إلى الطغيان والفخر، والعلم يدعو إلى التواضع والعبودية. تاسعاً: غنى العلم أجل من غنى المال.. غنى المال أمر خارجي عن الإنسان لو ذهب في ليلة لأصبح الإنسان فقيراً، لكن لم نر أن عالماً نام ثم استيقظ في الصباح ووجد نفسه ليس عنده علم، لكن يمكن أن تجد شخصاً مليونيراً نام في الليل، ورأى في البورصة تحققت أحلامه فيقوم اليوم الثاني وعليه ديون الدنيا. إذن عندما يأتي أحد الناس ويقول: هذه أوجه التفاضل بين العلم والمال، فالعاقل يقتنع حقيقةً.

حث ابن القيم على ذكر الله:

عندما يتكلم ابن القيم -رحمه الله- عن الأذكار مثلاً.. يقول: إن العبد مطالب أن يذكر الله ولو ذكره في أربع مواطن لدل على صدق العبد:
1- عند النوم.
2- أول ما يستيقظ من النوم.
3- في الصلاة.
4- عند الأهوال والشدائد.

لأن الإنسان عند الشدائد يذكر أقرب شيء لنفسه، فلو كان يذكر الله أول ما تحصل له الشدة، فهذا يدل على أنه مرتبط بالله عز وجل.

تفاؤل ابن القيم:

وهذا الرجل مما يمتاز به أنه من العلماء العاملين، فمثال ذلك: أنه يدعو الناس إلى التفاؤل -كما وردت به السنة- ونبذ التشاؤم، وهذه قصة وقعت له، يقول في آخر كتاب مفتاح دار السعادة: وأخبرك عن نفسي بقضية من ذلك، وهي أني أضللت بعض الأولاد يوم التروية بـمكة وكان طفلاً، فجهدت في طلبه والنداء عليه في سائر الركب إلى وقت يوم الثامن، فلم أقدر له على خبر، فأيست منه، فقال لي إنسان: إن هذا عجزٌ، اركب وادخل الآن إلى مكة فتطلبه، فركبت فرساً، فما هو إلا أن استقبلت جماعةً يتحدثون في سواد الليل في الطريق، وأحدهم يقول: ضاع لي شيء فلقيته، والتفاؤل هو أنك تسمع قولاً، أو ترى شيئاً حسناً فتتفاءل منه، فقد يجري الله بقدره بهذا التفاؤل أن يحدث لك ما تريده أنت، فـابن القيم يبحث عن الولد، فيقول: فسمعت إنساناً يقول: ضاع لي شيء فوجدته، ثم قال: فلا أدري انقضاء كلمته أسرع أم وجد الطفل مع بعض أهل مكة في محملة عرفته بصوته.

مساهمة ابن القيم في حلول المشاكل الاجتماعية والأمراض النفسية:

لابن القيم -رحمه الله- إسهام كبير في حلول المشاكل الاجتماعية والأمراض النفسية، فمثلاً: كلامه في الوسوسة موجود في إغاثة اللهفان وغيره، وهو كلام عظيم جداً، والوسوسة مرض خطير، وأيضاً: مرض الهوى والعشق وهو مرض قاتل وخطير جداً؛ ولذلك ألف ابن القيم رحمه الله كتاب الجواب الكافي لعلاج هذا المرض، وهذا الكتاب عبارة عن سؤال وهو: ماذا تقول سادة العلماء أئمة الدين برجل ابتلي ببلية، وعلم أنه إذا استمرت عليه، أفسدت عليه دنياه وآخرته، وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق، فما يزداد إلا توقداً وشدةً، فما الحيلة إلى دفعها؟ وما الطريق إلى كشفها؟ رحم الله من أعان مبتلى، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه أفتونا مأجورين؟ فيذهب ويصنف كتاباً في علاج هذا المرض؛ من أجل سؤال، ثم ينصحه فيقول: أولاً: ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواء، وشفاء العي السؤال، ثم يتكلم عن الرقية، ثم يتكلم عن الدعاء وأهمية الدعاء في علاج مرض العشق والهوى، وكيف يكون الدعاء صادقاً، ودعاء الله بأسمائه الحسنى، وموانع الدعاء، وشروط الدعاء، وآداب الدعاء، وحسن الظن بالله، وإيثار الآخرة على الدنيا، ويتكلم عن عذاب القبر، وأن على المسلم أن يرجو الله، ويتكلم عن أضرار الذنوب؛ لأن العشق والهوى يملأ الإنسان بالذنوب، ويقول: الذنوب مثل السم في الجسم وينتج عنها حرمان العلم والوحشة والقلق والمهانة عند الله وعند الخلق، والذل، وإفساد العقل والقلب، والدخول تحت اللعنة، ويتكلم عن عقوبة العصاة في الآخرة، وحدود الله في العصاة في الدنيا.. الزنا واللواط، ويتكلم عن الحدود، وعن عاقبة قوم لوط، وكيف فعل الله بقوم لوط، ويتكلم عن خطورة عشق الصور، وماذا تودي بالإنسان؟ وأنها تقذف به إلى الشرك، فكان هذا منهجه في علاج مشكلة الهوى والعشق.

شهرة ابن القيم بضرب الأمثال:

كان -رحمه الله- مشهوراً بضرب الأمثال، فمثلاً يقول في قضية التوكل: ينبغي أن يوكل المرء أمره إلى الله، ويشعر أنه إذا وكل أمره إلى الله كأنه دخل حصناً حصيناً، والأعداء لا يستطيعون أن يصلوا إليه، وكذلك حال الإنسان في الإنفاق وهو يتوكل على الله وينفق، يقول: مثل ملك قال لأحد رعيته: إذا أنفقت، أعطيك بدل الذي أنفقته من خزائني أضعافه، فإذا علم صدق الملك، ووثق به، واطمئن إليه، وعلم أن خزينة الملك لا تنفذ، فما الذي يمنعه من الإنفاق، ثم يمثل المتوكل بحال الطفل الرضيع، الذي لا يعرف من الدنيا إلا ثدي الأم، فلا يهتدي إلا إليه ولا يقبل على غيره، وكذلك ينبغي أن يكون المتوكل على الله مثل الطفل الذي يقبل على ثدي أمه. ومن أمثاله أيضاً: يقول: السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمراتها، فمن كانت أنفاسه في طاعة، فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية، فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاد يوم المعاد، ثم يقول: إن هذه الشجرة ينبغي أن تسقى بماء الإخلاص والمتابعة لتكون الثمار طيبة في الآخرة. وعندما يتكلم ابن القيم في مدارج السالكين عن منازل من أعمال القلوب، تنذهل وتندهش حقيقةً من القدرة التي أوتيها هذا الرجل -رحمه الله تعالى- فمثلاً عندما يتكلم عن المحبة يقول: الحمد لله الذي جعل المحبة إلى الظفر بالمحبوب سبيله، ونصب طاعته والخضوع له على صدق المحبة دليله، وحرك بها النفوس إلى أنواع الكمالات إيثاراً لطلبها وتحصيله، والمحبة هي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال، تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبداً واصليها.. إلى آخره.

قدرة ابن القيم على التحليلات النفسية:

ابن القيم -رحمه الله- صاحب فكر مدقق، وكان يفكر في الواقع حتى يربط بين الحيوانات وبين البشر، وله تحليلات نفسية جميلة جداً لا ترقى إليها إلا كبار العقول في هذه المسألة. يقول: من الناس نفوسهم حيوانية لا هم لهم إلا في الأكل والشرب، وليس عندهم اهتمام بالشريعة. ومن الناس نفوسهم كلبية لو صادف جيفة تشبع ألفاً، وقع عليها، وكلما أتى واحد نبح، لا يريد أن يأتي إليها. ومن الناس طبعه طبع الخنزير يمر بالطيبات فلا يلوي عليها، لكن إذا وقع على قيء جاء عليه، يقول: هذا مثله مثل إنسان يرى في الناس أشياء طيبة وخصال طيبة، ثم يرى بعض العيوب فينسى كل الأشياء الطيبة ويأتي على العيوب. ومنهم على طبيعة الطاووس ليس له إلا التزين والتطيب والتريش، وليس له وراء ذلك من شيء. ومنهم من هو على طبيعة الجمل أحقد الحيوانات وأغلظها كبداً. ومنهم مثل: العقرب والحية لا يستريح إلا إذا نفث سمه في غيره؛ ولذلك إذا ما آذى أحداً من الخلق، يظل متوتراً طيلة اليوم، حتى يؤذي واحداً من الخلق فيستريح، مثل: العقرب الذي يفرغ سمه في الناس. وكذلك يقول: انظر إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (السكينة والوقار في أهل الغنم، والخيلاء والفخر في أهل الإبل) يحلل تحليلات؛ فمثلاً: الغنم والبقر وغيرها ترى رأسها إلى أسفل، والجمل رأسه إلى فوق ورقبته طويلة.. لا تجد البعير رأسه في الأرض، ولذلك البادية الأعراب.. أصحاب الإبل عندهم كبر وخيلاء وفخر، وأهل الغنم -أحياناً- تجد عندهم نوعاً من السكينة والتواضع. وكذلك يقول: من الناس من نفوسهم حمارية، لم تخلق إلا للكد والعلف، وليس عندهم بصيرة، صمٌ بكمٌ عميٌ؛ لذلك ضرب الله الذي لا ينتفع بالعلم مثل الحمار يحمل أسفاراً. وقال: من الناس من طبيعته فأرية فاسدٌ بطبعه، مفسدٌ لما جاوره، مثل: الفأر. ولما تكلم عن النمل، قال -رحمه الله-: ومن عجيب أمرها أن تقتل الملوك الظلمة المفسدة، ولا تدين بطاعتها، وتأتي بمجموعات وتتعاون، وكل نملة تجتهد في صلاح العامة غير مختزنه شيئاً من الحب لنفسها. ثم يتكلم عن الحمام، فيقول: القيمون على الحمام يعتنون بأنسابها اعتناءً عظيماً، فيفرقون بين ذكورها وإناثها حتى لا يحصل اختلاط في النسب، والقيمون على الحمام لا يحفظون أرحام نسائهم، ويحتاطون كما يحفظون أرحام حمامهم ويحتاطون، ويتكلم عن الحمام وعن مشابهة طباع الحمام لطباع النساء منها: من لا ترد يد لامس، وأخرى لا تنام إلا بعد طلب حثيث، وأخرى لا تمكن منها ذكراً إلا زوجها، وأخرى إذا غاب زوجها رضيت بأي أحد، وأخرى لا تمتنع على أحد، ومنها من إذا طارت البيضة أفسدتها، وذكر أموراً كثيرة جداً تدل على فقهه بالواقع رحمه الله.

وفاة ابن القيم رحمه الله:
كانت وفاة ابن القيم رحمه الله تعالى ليلة الخميس، الثالث عشر من شهر رجب، وقت أذان العشاء سنة 751هـ بعد أن أكمل ستين سنة رحمه الله تعالى. اللهم اغفر لهذا العلم من أعلام المسلمين، اللهم وسع له في قبره ونوره له، واجعله له روضةً من رياض الجنة آمي
ملتقى أهل الحديث

ابن القيم العالم الرباني - رحمه الله




بسم الله الرحمن الرحيم

عناصر الموضوع :
1. نبذة مختصرة عن سيرة ابن القيم الشخصية
2. ابن القيم وشيخه ابن تيمية
3. طريقة ابن القيم في التفقه
4. مع مؤلفات ابن القيم
5. دقة استنباطات ابن القيم وأمثلة عليها
6. فقه الواقع عند ابن القيم
7. موقف ابن القيم من أهل البدع
8. مقتطفات متفرقة من حياة ابن القيم
9. وفاة ابن القيم رحمه الله

ابن القيم العالم الرباني:
علماء الأمة هم وجهها الذي به تقابل الأجنبي، وهم المنارة التي تعتز بها على الخارجي، وقد هيأ الله لهذه الأمة علماء حفظ بهم الدين، وأحيا بهم سنة سيد المرسلين، فكان الحديث عنهم جزءاً من العلم، والعلم بأحوالهم حافزاً إلى الطلب، ومن هؤلاء العلماء العلامة ابن القيم، فتمتع بالحديث عنه وعن علمه وسيرته، كما تتمتع بالقراءة في كتبه العذبة ..

نبذة مختصرة عن سيرة ابن القيم الشخصية:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. في هذه الليلة سنتكلم عن ابن القيم -رحمه الله تعالى- علمٌ من أعلام المسلمين الذي كان له فضلٌ عظيمٌ في نصرة هذا الدين، وفي نشر سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وهو الذي تكلم وناظر وألف في تبيانه للإسلام، حتى غدت مؤلفاته منابع خير يتلقى منها من بعده، فأصبح الناس عالةً على كتبه، وهذا الرجل مغموط الحق عند الكثيرين، مجهول الحال عند أغلب المسلمين، ولعلنا في هذه النبذة التي نقدمها عن حياته ومنهجه وأسلوبه نكون قد قمنا بشيء بسيط من الواجب نحو هذا العلم الضخم من أعلام المسلمين. أما ابن القيم -رحمه الله تعالى- فكنيته أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي الزرعي الدمشقي المشتهر بـابن قيم الجوزية رحمه الله. ولد في السابع من شهر صفر من سنة 691هـ، وذكر بعضهم أن ولادته كانت بـدمشق ، وكان والده -رحمه الله- ناظراً ومشرفاً على مدرسة الجوزية التي أنشأها وأوقفها -رحمه الله تعالى- ولأن أباه كان مشرفاً على هذه المدرسة، فكان المشرف يسمى قيماً، فاشتهر ابنه بـابن القيم -رحمه الله-؛ ولذلك يقال على سبيل الاختصار: ابن القيم ، وإلا فإن اسمه:
محمد، وكنيته أبو عبد الله، ولقبه شمس الدين، ويخطئ من يقول: ابن القيم الجوزية، وإنما الصحيح ابن قيم الجوزية، أو اختصاراً ابن القيم، وخلط كثيرون بينه وبين ابن الجوزي، وترتب على هذا الخلط إشكالات، منها: أن نسبت كتبٌ لابن القيم هو منها بريء، مثل:

كتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه وهو كتابٌ منحرفٌ في العقيدة، وكذلك كتاب أخبار النساء لابن الجوزي، وكان أبوه -رحمه الله- وأخوه وابن أخيه من المشتهرين بالعلم والفضل.

نشأ -رحمه الله- في جوٍ علمي، وله من الأولاد عبد الله الذي ولد سنة 723هـ، وكانت وفاته سنة 756هـ، وكان ولداً مفرطاً في الذكاء، فقد حفظ سورة الأعراف في يومين، وصلى بالقرآن سنة 731هـ،

وأثنى عليه أهل العلم بأمورٍ كثيرة منها: غيرته في أمر الله، وذكر ابن كثير -رحمه الله- أن هذا الولد قد أبطل بدعة الوقيد بجامع دمشق في ليلة النصف من شعبان، حيث كانت توقد نيران في ليلة النصف من شعبان وهي بدعة، أبطلها ولد ابن القيم -رحمه الله- وله ولدٌ آخر اسمه إبراهيم كان علامةً نحوياً فقيهاً شرح الألفية .

حياة ابن القيم العلمية والعملية:

برع ابن القيم-رحمه الله- في علوم كثيرة لا تكاد تحصى، وهي سائر علوم الشريعة، مثل: التوحيد، والتفسير، والحديث، والفقه، والأصول، والفرائض، واللغة، والنحو، وكان من المتفننين، وتفقه في المذهب، وبرع وأفتى ولازم شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان عارفاً في التفسير لا يجارى، وسمع الحديث، واشتغل بالعلم، وقال عنه الذهبي -رحمه الله-: "عني بالحديث ومتونه ورجاله، وكان يشتغل بالفقه ويجيد تقريره". وقال ابن ناصر الدين -رحمه الله-: "كان ذا فنون في العلوم". وقال ابن حجر : كان جريء الجنان، واسع العلم، عارفاً بالخلاف ومذاهب السلف. وقد رحل رحلات لكنها ليست بالكثيرة، فمثلاً رحل إلى مصر ، فقال في بعض كتبه: وقد جرت لي مناظرة بـمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة، والسبب الذي لم يشتهر من أجله ابن القيم في الرحلة أنه قد نشأ بمدينة دمشق ، وكانت عامرةً بالعلماء، وبالمكتبات، وبالمدارس، وأتى إليها طلبة العلم والعلماء من كل حدب وصوب؛ فلم يعد هناك داعٍ كبيرٍ للرحلة، وخيركم من يأتيه رزقه عند عتبة بابه.

أسفار ابن القيم وتأليفه للكتب فيها:

وقد حج -رحمه الله- حجات كثيرة، وجاور في بيت الله الحرام، وقال عنه تلميذه ابن رجب: "حج مرات كثيرة، وجاور بـمكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمراً يتعجب منه.. وقد ذكر رحمه الله في بعض كتبه أشياء مما حصلت له في مكة، فقال في قصة تأليف كتابه مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة قال في مقدمته: "وكان هذا من بعض النزل والتحف التي فتح الله بها علي حين انقطاعي إليه عند بيته، وإلقاء نفسي ببابه مسكيناً ذليلاً، وتعرضي لنفحاته في بيته، وحوله بكرة وأصيلاً" فكان هذا الكتاب قد ألفه في مكة -رحمه الله تعالى. وقال عن استشفائه بماء زمزم: "لقد أصابني أيام مقامي بـمكة أسقامٌ مختلفة، ولا طبيب، ولا أدوية- كما في غيرها من المدن- فكنت أستشفي بالعسل، وماء زمزم، ورأيت فيها من الشفاء أمراً عجيباً". وقال في مدارج السالكين عندما تكلم عن موضوع الرقى: لقد جربت في ذلك من نفسي وغيري أموراً عجيبةً، ولاسيما في المقام بـمكة، فإنه كان يعرض لي آلاماً مزعجةً؛ بحيث تكاد تنقطع مني الحركة، وذلك في أثناء الطواف وغيره، فأبادر إلى قراءة الفاتحة، وأمسح بها على محل الألم، فكأنه حصاة تسقط، جربت ذلك مراراً عديدةً، وكنت آخذ قدحاً من ماء زمزم، فأقرأ عليه الفاتحة مراراً فأشربه، فأجد به من النفع والقوة ما لم أعهد مثله في الدواء، والأمر أعظم من ذلك، ولكن بحسب الإيمان وصحة اليقين، والله أعلم. وهذا السفر مع بعده عن الأولاد والوطن، لم يكن يشغله عن طلب العلم والتأليف والنظر، فهو وإن سافر فإنه لا يحمل من الزاد إلا أمراً يسيراً، وكانت مكتبته في صدره رحمه الله، ومن العجيب أنه قد ألف كتباً حال سفره منها: مفتاح دار السعادة، و روضة المحبين، و زاد المعاد، و بدائع الفوائد، و تهذيب سنن أبي داود ألفها في حال السفر، وليس في حال الإقامة، وكان -رحمه الله- مغرماً بجمع الكتب، فإنك تجد -مثلاً- في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية قد رجع إلى أكثر من مائة كتاب، وفي أحكام أهل الذمة ذكر نحو ثلاثين كتاباً، وكذا في كتابه الروح، وهذا يعني أنه كان عنده مراجع كثيرة، وكان يهتم بكتبه، وقد حصل عنده من الغرام بتحصيل الكتب أمراً عظيماً؛ حتى أنه جمع منها ما لم يجمع غيره، وحصل منها ما لم يحصل لغيره؛ حتى كان بعض أولاده من الذين أتوا من بعده يبيعون منها بعد موته دهراً طويلاً غير ما أبقوه لأنفسهم للإفادة منه، وكذلك كان ابن أخيه قد صار عنده شيئاً من مكتبته، وكان لا يبخل بإعارتها.

أعمال ابن القيم رحمه الله:

تولى ابن القيم -رحمه الله- أعمالاً عديدةً، منها: الإمامة في المدرسة الجوزية، والتدريس في المدرسة الصدرية، والفتوى، والتأليف. وقد تعرض -رحمه الله- للسجن بسبب فتاوي رأى أن الحق فيها، مثل: مسألة طلاق الثلاث بلفظ واحد، ومثل: إنكار شد الرحال إلى قبر الخليل؛ حيث يقول ابن رجب -رحمه الله-: وقد حبس مدة لإنكاره شد الرحال إلى قبر الخليل؛ مع أن شد الرحال إلى قبر الخليل من البدع المحدثة، ولا يشرع شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، وكل شد رحل لزيارة مكان عبادة، أو قبر من القبور، أو مسجد من المساجد، فإنه بدعةٌ من البدع، فما بالك بما يحدث اليوم من بعض الناس بزيارة أماكن المغضوب عليهم في رحلات سياحية، مثل: مدائن صالح التي أهلك الله قومها ومن كان فيها، والنبي عليه الصلاة والسلام لما مرَّ بها مرَّ مطأطئ الرأس، حزيناً، مسرعاً، خائفاً من عذاب الله، واليوم يشدون الرحلات السياحية إلى تلك الأماكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخلاق ابن القيم وتواضعه:

وأما عن أخلاق ابن القيم -رحمه الله- فقال ابن كثير : كان حسن القراءة والخلق، كثير التوجه، لا يحسد أحداً ولا يؤذيه، ولا يستعيبه، ولا يحقد على أحد، وبالجملة كان قليل النظير في مجموعه، وأموره، وأحواله، والغالب عليه الخير والأخلاق الفاضلة؛ ولهذا الطبع المتأصل في نفسه تجده يقول -مثلاً- في بعض كتبه: من أساء إليك، ثم جاء يعتذر عن إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته حقاً كانت أو باطلاً، وتكل سريرته إلى الله عز وجل- كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين. وأما عن تواضعه، فإنه كان أمراً عجيباً، وقد ذكر العلامة الصفدي -رحمه الله تعالى- ميميته الرقيقة التي يتحدث فيها ابن القيم عن هضمه لنفسه، ويفي بتواضعه من خلال أبيات تلك القصيدة، فيقول:

بُني أبي بكرٍ كثـيرٌ ذنوبــــه فليس على من نال من عرضه إثمُ
بُني أبي بكرٍ جهولٌ بنفـسـه جهولٌ بأمر الله أنَّـى لـه العـلـــــــمُ
بُني أبي بكرٍ غدا متصــدراً يعلم علماً وهو ليـس لـه عـلــــــــمُ
بُني أبي بكرٍ غـدا متمنـيـــاً وصال المعالي والذنوب لـه هــــمَّ
بُني أبي بكرٍ يروم مترقـيــاً إذا جنت المأوى وليس لـه عــــزمُ
بُني أبي بكرٍ لقد خاب سعيه إذا لم يكن في الصالحات له سـهـمُ

عبادة ابن القيم وزهده:

وأما عن عبادته وزهده، فإن من يقرأ مؤلفاته -رحمه الله- يخرج بدلالة واضحة، وهو: أنه كان عنده من عمارة القلب باليقين، والافتقار إلى الله عز وجل، والعبودية أمراً عظيماً، وتجد في ثنايا كلامه من إنابته إلى ربه، والحاجة إليه عز وجل ثروةً طائلةً، فكان من العلماء العاملين الذين كانوا من أهل الله وخاصته. قال ابن رجب رحمه الله: وكان -رحمه الله- ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية الوسطى، وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثله في ذلك، ولا رأيت أوسع منه علماً، ولا أعرف بمعاني القرآن والسنة منه، وليس هو المعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله، ولقد امتحن وأوذي مرات، وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة في القلعة منفرداً عنه، لم يفرج عنه إلا بعد موت شيخه ابن تيمية -رحمه الله-، وكان في مدة حبسه منشغلاً بتلاوة القرآن والتدبر والتفكير، ففتح الله عليه من ذلك خيراً كثيراً. وحج مرات وجاور بـمكة ، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمراً يتعجب منه. وقال تلميذه ابن كثير: لا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه، وكان له طريقةً في الصلاة يطيلها جداً، ويمد ركوعها وسجودها، ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان فلا يرجع، ولا ينزع عن ذلك رحمه الله تعالى. وقال ابن حجر : كان إذا صلى الصبح، جلس مكانه يذكر الله حتى يتعالى النهار، وكان يقول: هذه غدوتي لو لم أقعدها سقطت قواي، وكان يقول: بالصبر والفقه تنال الإمامة بالدين.
ابن القيم وشيخه ابن تيمية:

لقد حدثت حادثة في حياته -رحمه الله تعالى- كان لها أثراً عظيماً، وهي: التقاؤه بشيخ الإسلام أحمد بن عبد السلام ابن تيمية - رحمهما الله تعالى- لقيه في سنة 712هـ، وهي السنة التي عاد فيها الشيخ ابن تيمية من مصر إلى دمشق، ولازمه حتى مات ابن تيمية رحمه الله سنة 728هـ، وهذا يعني أنه لازمه ستة عشر عاماً.

ابن القيم قبل لقائه بابن تيمية:

ذكر ابن القيم -رحمه الله- أنه كان في مبدأ أمره مفتوناً بعقيدة الأشاعرة في الصفات، وبكلام بعض النفاة، وكان له سقطات، فلما خالط شيخ الإسلام، اهتدى على يديه، ولذلك يقول ابن القيم في نونيته :

يا قوم والله العظيم نصيحـــــة من مشفقٍ وأخٍ لـكم معـــــــوانِ
جربت هذا كله ووقعت فــــي تلك الشباك وكنت ذا طيــــرانِ
حتى أتاح لي الإله بفضلــــــه من ليس تجزيه يدي ولـسانـــي
فتىً أتى من أرض حــــــران فيا أهلاً بمن قد جاء من حـرانِ

من الذي جاء من حران ؟ ابن تيمية -رحمه الله- لأن ابن تيمية حراني.

فالله يجزيه الذي هو أهـلــــه من جنة المأوى مـع الرضـــــوان
أخذت يداه يدي وسار فلــــم يرم حتى أراني مطلـع الإيـمــــانِ
ورأيت أعلام المدينة حولها نزل الهـدى وعسـاكر القـــــــرآنِ
ورأيت آثاراً عظيمـاً شأنهـا محجوبةً عـن زمـرة العمـيـــــــانِ
ووردت كأس الماء أبيــض صافياً حصباؤه كلآلـئ التيجـــانِِ
ورأيت أكواباً هناك كثيــرةً مـثل النجـوم لـواردٍ ظــمــــــــــآن
ورأيت حول الكوثر الصافي الذي لا زال يشخب فيه من زابانِ

نحن نعلم أن نهر الكوثر الذي في الجنة يصب في الحوض عبر ميزابين، فيستشهد ابن القيم رحمه الله تعالى بهذا الحديث يأخذ منه تعبيراً لكي يقول للناس: إن ابن تيمية أخذ بيدي حتى أوردني الحوض الصافي الذي يشخب فيها ميزابان الكتاب والسنة.

ميزان سنته وقول إلهـــــــه وهما مدى الأيام لا ينيانِ
والناس لا يردونه مـــــــــن الآلاف أفرادٌ ذوو إيمــانِ

إلا من أنعم الله عليه، وإلا فإن كثيراً من الناس قد تخبطوا وضلوا، وأرادوا الحق فلم يصلوا إليه.

اعتناء ابن تيمية بتلميذه ابن القيم:

لقد اعتنى ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بتلميذه اعتناءً كثيراً، وكان يخصه بمزيد من التعليم والتنبه لأحواله والتربية العميقة. ويقول ابن القيم رحمه الله: قال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه، وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد، آتي بشبهة، وأقول: أريد الجواب عليها، ثم آتي بشبهة، وأقول: أريد الجواب عليها، فقال له نصيحة: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليك، صار مقاماً للشبهات. قال ابن القيم : "فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بهذه". وقال في مدارج السالكين : "قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- مرةً: العوارض والمحن هي كالعوارض والبرد، فإذا علم العبد أنه لا بد منها -لا بد من الابتلاء، ولا بد من المحنة- لم يغضب لورودها، ولم يغتم ولم يحزن، وإنما يعلم أن هذا ابتلاء من الله يريد الله به أن يزيد له في حسناته، ويكفر به عنه من سيئاته، ويرفع له في درجاته، فيحمد الله على المحنة". ويرشد ابن تيمية -رحمه الله- تلميذة إلى ترك التوسع في المباحات، يقول ابن القيم : قال لي يوماً شيخ الإسلام في شيء من المباح: هذا ينافي المراتب العليا، وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة -أي: أن التوسع في المباحات جائز، لكن تركها أولى؛ لأنها تصرف العبد عن الانشغال بما هو أهم وأفضل- وقد وفى ابن القيم -رحمه الله- لشيخه وفاءً عظيماً، فإنه قد ظل يشاركه في أعماله وأحواله حتى آخر لحظة من حياته؛ حتى أنه امتحن وأوذي بسبب شيخ الإسلام ، ودخل معه السجن، وجعل في زنزانة منفردة عن شيخ الإسلام ، أفرد ابن القيم حتى مات شيخه رحمه الله تعالى.

طريقة ابن القيم في التفقه:

وأما مذهب ابن القيم -رحمه الله- فإن كثيراً من أهل العلم ينسبونه إلى المذهب الحنبلي، ولكنك إذا دققت في أقواله وفتاويه، وجدت أنه -رحمه الله- يسير على طريقة السلف في اتباع الأدلة، فيدور مع الدليل حيثما دار؛ سواءً كان الدليل في مذهب أحمد ، أو في مذهب الشافعي ، أو في غيرها، وكان عنده منهجٌ عظيمٌ- ينبغي لكل طلبة العلم أن يقتدوا به- حيث كان يبحث عن الدليل وينشده مع احترام الأئمة، فلا هو بالذي يقول: هم رجال ونحن رجال؛ بل كان يبحث عن الدليل وينشد الدليل مع احترام الأئمة، فأينما وجد الدليل ذهب إليه كان القائل به من كان، فكانت قاعدته مناشدة الدليل مع احترام الأئمة، وكثيراً ما كان يفتي بخلاف المذهب. ومن اللطائف التي حكاها -رحمه الله- عن شيخه، شيخ الإسلام ابن تيمية أنه كان يدرس في مدرسة لرواد الفقه الحنبلي، وكانت المدارس في ذلك الوقت توقف عليها أوقافاً حتى يصير منها صرف على المدرسة، وطلبة المدرسة، ورواتب للمدرسين، وثمن الكتب والمعيشة.. وهكذا، فقال بعضهم لـشيخ الإسلام ابن تيمية مرةً- وكان شيخ الإسلاممجتهداً يدور مع الدليل ولا يتعصب لمذهب- قالوا له: أنت تأخذ من وقف هذه المدرسة وواقفها شرط أنها للحنابلة، فقال شيخ الإسلام رحمه الله: إنما أتناول ما أتناوله منها على معرفتي بمذهب أحمد لا على تقليدي لهم، وأنا عالم بمذهب أحمد عارف به وبأصوله.

محاربة ابن القيم للتعصب والتقليد الأعمى:
لقد استخدم ابن القيم -رحمه الله- أسلوبه الجميل في محاربة التقليد الأعمى، فيقول في فتنة التعصب والتقليد التي ذبحت كثيراً من المسلمين حتى صار بينهم اقتتال، وتفرقوا في المسجد الواحد، فصار لهم في بعض الأحوال والأوقات الماضية أربعة محاريب يصلي كل أصحاب مذهب في محرابه منفصلين، وكان بعضهم لا يزوج أفراداً من المذهب الآخر، وهذا كله نتيجة التعصب الذي ذمه الله ورسوله؛ ولذلك تجد المجددين من أهل العلم ينهون عن التعصب ويحذرون منه، يقول ابن القيم رحمه الله: تالله إنها فتنة عمت فأعمت، ورمت القلوب فأصمت، ربا عليها الصغير، وهرم فيها الكبير، واتخذ لأجلها القرآن مهجوراً، وكان ذلك بقضاء الله وقدره في الكتاب مسطوراً، ولما عمت البلية، وعظمت به الرزية، بحيث لا يعرف أكثر الناس سواها- أكثر الناس لا يعرفون إلا التعصب، ولا يعدون العلم إلا التعصب- فطالب الحق من مظانه لديهم مفتون، ومؤثره على سواه عندهم مغبون، نصبوا لمن خالفهم في طريقتهم الحبائل، وبغوا له الغوائل، ورموه عن قوس الجهل والبغي والعناد، وقالوا لإخوانهم: إنَّا نخاف أن يبدل دينكم، أو أن يظهر في الأرض الفساد. ولذلك كان ابن القيم يدعو في كتبه دائماً إلى اتباع الدليل، وكان يقول للناس: إذا رأيتم عَلَمَ السنة فاذهبوا إليه. ويقول في جواب على سؤال نفاة القياس، وهو متحمس لإظهار السنة ومتابعة الدليل: الآن حمي الوطيس، وحميت أنوف أنصار الله ورسوله لنصر دينه وما بعث به رسوله، وآن لحزب الله ألا تأخذهم في الله لومة لائم، وألا يتحيزوا إلى فئة معينة، وأن ينصروا الله ورسوله بكل قول حق قاله من قاله، ولا يكونوا من الذين يقبلون ما قاله طائفتهم- يقبلون قول الفريق الذي يتعصبون له- وينبذون كتاب الله وسنة نبيه.

منهج ابن القيم في التأليف والفتوى:

كان له -رحمه الله- مؤلفات كثيرة؛ فكان منهجه في التأليف الاعتماد على الكتاب والسنة؛ ولذلك تجد كتبه طافحة بذكر الأدلة، وكان ينعى على من يرد الكتاب والسنة من أصحاب الطواغيت الأربعة القائلين بالمعقول ومقدمي القياس والذوق والسياسة، يقول: إن من الناس الذين يقدمون آراءهم على الكتاب والسنة أربع طوائف، فمنهم: الطائفة الأولى: المتكلمون الذين يقدمون العقل على النقل: يقدمون العقول وآراءهم على نصوص القرآن والسنة. الطائفة الثانية: المتكبرون، الذين إذا تعارض القياس والحديث، قدموا القياس على النص. الطائفة الثالثة: المتكبرون المنتسبين إلى التصوف، الذين إذا تعارضت عندهم أذواقهم ومواجيدهم -وهي من الشيطان- قدموها على نصوص الكتاب والسنة. الطائفة الرابعة: الولاة والأمراء الجائرون، الذين إذا تعارضت عندهم الشريعة والسياسة قدموا السياسة ولم يلتفتوا إلى حكم الشريعة. وكذلك كان -رحمه الله تعالى- يقدم أقوال الصحابة على من سواهم، وكانت مؤلفاته تتسم بالسعة والشمول، وكان يسير على نهج الجود بالعلم، فإذا سئل عن مسألة، أجاب عنها وأكثر بما يشبع السائل، ويجيبه جواباً شافياً، ولذلك يقول: لا يكن جوابك للسائل بقدر ما تدفع به الضرورة، مثل: نعم، ولكن عليك أن تجود بالعلم، وأشبع رغبة السائل، وأجبه ولو بأكثر مما سأل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر هل هو طاهر أم لا؟ أجاب عليه الصلاة والسلام: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) فالسائل سأل عن مسألة واحدة، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم عن مسألتين: الأولى: طهارة ماء البحر. الثانية: حل ميتة البحر، وهذا من الجود بالعلم، وكان يستطرد في مؤلفاته، فيذكر فوائد عظيمة، وكان يعرض كثيراً من محاسن الشريعة وحكمة التشريع، وهذا يدل على عمقه وذكائه -رحمه الله- وكان يعنى بالاستدلال والعلل، وكانت كتاباته حيوية تفيض بالمشاعر الفياضة.

ثناء العلماء على حسن تأليف ابن القيم:

وكان أسلوبه جذاباً. يقول العلامة الشوكاني رحمه الله: وله من حسن التصرف مع العذوبة الزائدة وحسن السياق ما لا يقدر عليه غالب المصنفين؛ بحيث تعشق الأفهام كلامه، وتميل إليه الأذهان، وتحبه القلوب؛ حتى قال ابن حجر -رحمه الله-: إن مؤلفات ابن القيم مرغوبة عند جميع الطوائف، ولو كانوا ممن يعادون ابن القيم فكانوا يقبلون على كتبه -رحمه الله- وكان حسن الترتيب يسوق الأمور بسياقات حسنة، حتى في مؤلفاته كان تضرعه وابتهاله إلى الله يظهر، فمثلاً يقول رحمه الله في كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين بعد أن شرح قول الله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً [إبراهيم:24] قال ابن القيم بعد ذلك: فهذا بعض ما تضمنه هذا المثل العظيم الجليل من الأسرار والحكم، ولعلها قطرة من بحر بحسب أذهاننا الواقفة، وقلوبنا المخطئة، وعلومنا القاصرة، وأعمالنا التي توجب التوبة والاستغفار، وإلا فلو طهرت منا القلوب، وصفت الأذهان، وزكت النفوس، وخلصت الأعمال، وتجردت الهمم للتلقي عن الله ورسوله، لشاهدنا من معاني كلام الله وأسراره وحكمه ما تضمحل عنده العلوم، وتتلاشى عنده معارف الخلق. انظر! يقول هذا وهو من هو -رحمه الله- في سعة علمه وتواضعه؟ وقال في فاتحة كتابه روضة المحبين : والمرغوب إلى من يقف على هذا الكتاب أن يعذر صاحبه، فإنه ألفه في حال بعده عن وطنه، وغيبته عن كتبه، فما عسى أن يبلغ خاطره المكدود، وسعيه المجهود، مع بضاعته المزجاة- أي: القليلة- التي حقيقٌ بحاملها أن يقال فيه: تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه، يقول: وهاهو المؤلف -أي: نفسه- قد نصب نفسه هدفاً لسهام الراشقين، وغرضاً لأسنة الطاعنين، فلقارئه غنمه، وعلى مؤلفه غرمه، وهذه بضاعته تعرض عليك، وموليته تهدى إليك، فإن صادفت كفئاً كريماً لها لم تعدم منه إمساكاً بمعروف، أو تسريحاً بإحسان، وإن صادفت غيره، فالله تعالى المستعان وعليه التكلان. وقال في فاتحة كتاب زاد المعاد، وكتاب زاد المعاد آخر طبعة طبع فيها الآن خمسة مجلدات ألفها ابن القيم -رحمه الله- في السفر بسبب أن رجلاً سأله عن مسألة في الحج، فتعجب ابن القيم أن رجلاً من المسلمين لا يدري عن حكم هذه المسألة، فكان ذلك دافعاً لتأليف كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد. يقول في مقدمة الكتاب: "وهذه كلماتٌ يسيرةٌ، لا يستغني عن معرفتها من له أدنى نعمة إلى معرفة نبيه صلى الله عليه وسلم وسيرته وهديه، اقتضاها الخاطر المكدود على عجره وبجره- أي: اقتضاه خاطري على عيوب خاطري- مع البضاعة المزجاة مع تعليقها في حال السفر لا الإقامة، والقلب بكل وادٍ منه شعبة، والهمة قد تفرقت شذر مذر".ا هـ. قارن بين هذا الكلام وبين ما يكتبه الناس -اليوم- الذين ما رسخت أقدامهم في العلم، ولا نبتت لهم ريش العلم يطيرون به، يكتب الواحد على غلاف الكتاب: شرحه وحققه وهذبه ونقحه وبسطه... إلى آخره!! ويصف نفسه بألقاب المديح وهو لا يصل إلى مقدار أنملة ابن القيم -رحمه الله- في العلم، ومع ذلك صار عامة كثير من الناس الذين يتطفلون على العلم في هذا الزمان يمدحون أنفسهم في كتبهم، وعلى الغلاف تجد: ألفه المدقق الفهامة البحاثة، وهو من هو لا يساوي شيئاً بجانب علمائنا، وهؤلاء يقولون: هذه كلمات يسيرة، وهي خمس مجلدات!! وكان في تأليفه -رحمه الله- يقع له أمور مثل ما وقع له في تأليف كتاب تحفة المودود بأحكام المولود وهو كتاب، عظيم لا يُعرف أنه قد جمع في أحكام المولود مثل هذا الكتاب. له في تأليفه قصة لطيفة جداً وهي: أن ولد ابن القيم وُلد له ولد -أي: صار لـابن القيم حفيد- بمعنى أنه صار جداً، فالعادة أن الجد يهدي لحفيده هدية، فـابن القيم -رحمه الله- لما جاءه هذا الحفيد، ما كان عنده شيء من متاع الدنيا يهديه لحفيده، حيث كان فقيراً، فصنف هذا الكتاب وأعطاه لابنه، وقال: أتحفك بهذا الكتاب إذ لم يكن عندي شيء من الدنيا أعطيك، تكلم فيه عن العقيقة وأحكامها، وحلق شعر المولود، وختانه، وتسميته، والأسماء القبيحة والأسماء الحسنة، وأمور كثيرة جداً حتى تعرض لدقائق المسائل، مثل: إنسان لم يعق عنه أبوه وقد كبر، فهل يعق عن نفسه، أو لا؟ في مباحث أخرى مبسوطة داخل هذا الكتاب.

مع مؤلفات ابن القيم:

ومؤلفات ابن القيم -رحمه الله- أحصاها بعض من ترجم له ستة وتسعين كتاباً تقريباً، أما المؤلفات المطبوع منها الآن فلا تصل إلى الثلث.

تعرض مؤلفات ابن القيم للحرق:

ومن الأسباب العجيبة ولله عز وجل في خلقه شئون وحكم، حصل أن بعض الأمراء الذين استوطنوا دمشق في القرن الماضي -التاسع عشر- منذ مدة قريبة، كان ذا سلطان ومال، جعل يجمع مؤلفات ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ويحرقها؛ لأنه كان فيه عداوة لـابن تيمية و ابن القيم ، فكان يجمع مؤلفات ابن تيمية و ابن القيم ويحرقها، و ابن تيمية و ابن القيم في دمشق ، فحصل من هذا الرجل أن بلغ به من العداوة والبغض لأولياء الله أن يأتي بالكتب ويحرقها ويشتريها بنقوده من مالكها، إذا رآها مخطوطة، اشتراها ليحرقها، فإذا لم يتمكن من إقناع المالك بحرقها اشتراها منه، وربما التمس وسائل أخرى لإتلافها بدافع الانتصار لمذهبه؛ لأن هذا الشخص كان من غلاة الصوفية ، فاستخدم هذا الأمير سلطانه وماله في حرق كتب الذين تصدوا للصوفية ، ومن أهمهم: ابن تيمية و ابن القيم ، ومع ذلك فإن الله قيض لهذا الإمام العظيم من ينشر كتبه في هذا الزمان، ومن قدر الله أن أعداء الإسلام لما غزو بلدان المسلمين اصطحبوا معهم بعد رجوعهم إلى بلدانهم كثيراً من المخطوطات؛ ولذلك تجد الآن مخطوطات لكتب ابن تيمية في لاهاي في هولندا ، وتجد مخطوطات ابن القيم في ألمانيا و باريس وفي جامعة في أمريكا... وهكذا، ولعلها حكمةٌ من الله أن يحفظها أولئك الكفرة حتى يأتي من يطبعها من أبناء المسلمين، وقضية أن يعدو أهل الباطل على كتب أهل الحق فيحرقوها، هذه قضية طويلة؛ ولذلك تجد بعض الطوائف الضالة التي حكمت بعض بلدان المسلمين في بعض الأزمان والأوقات، كانوا يأتون إلى المكتبات العامة، فيخرجون المخطوطات التي تتكلم عن طوائفهم، وتبين باطل هذه الطوائف، فيحرقون هذه الكتب، ولكن الله ناصر دينه.

كلام الكوثري على ابن القيم وبيان خطئه في ذلك:

ومع الأسف! لقد ظهرت عداوة لـابن القيم -رحمه الله- ليس في حياته فقط والتي سجن وأوذي في مواضع عديدة، ولكن بعدما مات، ففي هذا القرن ظهر في مطلعه شخصٌ غريبٌ، كان متخصصاً في شتم ابن القيم وشيخه ابن تيمية -رحمهما الله- وهو الكوثري، حيث يقول: ولقد سئمت من تتبع مخازي هذا الرجل المسكين الذي ضاعت مواهبه في البدع!! يقصد ابن القيم. وقال: ابن قيم الجوزيه لم يكن غير شيخه في المعنى، بل هما قماش واحد، ذاك ظهارته وهذا بطانته، ذاك يسود وهذا يبيض، عمله جله تسويق بضائع شيخه بحيث تروج؛ حتى أن ابن القيم يقلده في كل شيء، وليس له رأيٌ خاصٌ قطعاً على سعة علمه. ويقول: هذا ابن القيم نسخة كربونية عن ابن تيمية!! ولذلك تصدى بعض أهل العلم لهذه الفرية، وبينوا أن ابن القيم شخصية مستقلة وليس تابعاً ابن تيمية.. ابن القيم ذكي عميق محقق مدقق ليس بالسهل أن يقلد أي أحد؛ ولذلك إذا نظرت -مثلاً- إلى كتبه وإلى من نقل عنه، تجد أنه نقل عن طائفة كثيرة من أهل العلم غير ابن تيمية ، وفي كتب ابن القيم مباحث مثل: تأليفه لبعض الكتب ما جمع مثل ابن تيمية مثل: كتابه القيم مفتاح دار السعادة ، و زاد المعاد ، و حادي الأرواح ، و بدائع الفوائد لا يعرف أن لـابن تيمية مثل هذه المؤلفات. وكذلك من الأمور الدالة على أن ابن القيم ليس نسخة كربونية عن ابن تيمية : أنه قد خالف شيخه في أمور، مثل: بعض أحكام الرضاعة، إذا قطع الرضيع الرضاعة بتنفس هل تعتبر واحدة، أو اثنتين؟ وفي عدة الآيسه، وفي اشتباه الأواني، وفي مسألة فسخ الحج إلى عمرة نقل قول ابن عباس، ثم قال: وأنا إلى قوله- أي: إلى قول ابن عباس- أميل مني إلى قول شيخ الإسلام . فإذاً لم يكن مقلداً لـابن تيمية ، ولا نسخة عنه، ولكن من الطبيعي أن يستفيد التلميذ من الشيخ، ويأخذ عنه علماً غزيراً كما حصل، والحقيقة أن ظهور ابن تيمية -رحمه الله- في ذلك الوقت الذي فشت فيه البدع سواءً بدع في العقائد؛ كبدع الجهمية و الأشاعرة و المرجئة ، وبدع الصوفية، وبدع التعصب المذهبي.. بدع كثيرة جداً ظهرت قيض الله لها شيخ الإسلام ، فكشف زيغ تلك البدع، وأظهر الحق، وقيض له تلاميذ، مثل: ابن القيم رحمه الله ساروا على نهجه في كشف الباطل، وإظهار الحق للناس؛ ولذلك لا شك أن لكل منهما جانبٌ عظيمٌ من جوانب التجديد لهذا الدين، ومع ذلك- سبحان الله!- كأن الله يريد أن يرفع منزلة هذا الرجل، ويعظم أجره بعد موته، فظهر له أعداء تكلموا عنه؛ حتى قال المسكين - الكوثري- في كتابه السيف الصقيم في الرد على ابن الزكيم ، قال: يعيره بجده لأمه، ولا ندري من أين اخترع هذه التسمية، يقول: كافر.. ضال.. مضل. زائغ.. مبتدع.. وقح.. كذاب.. حشوي.. جاهلي.. مهاتر.. خارجي.. غبي.. من إخوان اليهود والنصارى.. من محاربين الدين والخلق!! هذا يقوله الضال الكوثري في ابن القيم -رحمه الله تعالى- وهذه عبارة عن صرير باب وطنين ذباب.. حيلة عاجز، وحجة عجائز، و ابن القيم -رحمه الله- لا يضيره شيء، قال الشاعر:

ما يضر البحر أمسى زاخراً أن رمى فيه غلامٌ بحـجــــر
أسلوب ابن القيم رحمـــه الله ونُبذ من قدرته على التعبير

نتعرض الآن- أيها الإخوة- لبعض الأمور في أسلوب ابن القيم رحمه الله تعالى، وهذا أمرٌ مهمٌ جداً، فمثلاً: تجد هذه الحلاوة في الأسلوب، والقدرة على التعبير، والجمال والجلال في أسلوب ابن القيم رحمه الله يستخدمه في عرض حقائق التوحيد على الناس، فمثلاً: اسمع إليه يقول في وصف الله عز وجل، وبيان وحدانيته وقدرته سبحانه وتعالى: "قد أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، ووسع كل شيء رحمةً وحكمةً، ووسع سمعه الأصوات، فلا تختلف عليه، ولا تشتبه عليه؛ بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها، على تفنن حاجاتها، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلقه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين ذوي الحاجات". الآن الناس يدعون الله، منهم من يدعو الله باللغة العربية، ومنهم من يدعو بالإنجليزية، ومنهم من يدعو بالأردية، ومنهم من يدعو بلغات كثيرة جداً، ومنهم من يطلب شفاء مريض، ومنهم من يطلب رحمة ميت، ومنهم من يطلب رزقاً، ومنهم من يطلب ولداً، ومنهم من يطلب نجاحاً، ومنهم من يطلب أشياء كثيرة، وهم يطلبون في وقت واحد ويلحون إلحاحاً، والله عز وجل لا تغلطه، انظروا الواحد إذا أمسك بسماعتي هاتف لا يستطيع أن يتابع في نفس الوقت، والله عز وجل يسمع أصوات البشر كلهم بلغات مختلفة، وحاجاتهم مختلفة، ويعلم ماذا يقولون، ولا يتبرم بإلحاح الملحين:

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حي يسأل يغضبُ

والإنسان يتبرم بالإلحاح؛ والله عز وجل يريد من عباده أن يلحوا عليه بالدعاء، فعندما يأتي لنا رجل مثل: ابن القيم -رحمه الله- يبين لنا هذه المسألة، يزداد الذين آمنوا إيماناً. وكذلك يقول عند قوله تعالى: يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن:29] يغفر ذنباً، ويفرج هماً، ويكشف كرباً، ويجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويعلم جاهلاً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيراناً، ويغيث لهفاناً، ويفك عانياً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلىً، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويقيل عثرةً، ويستر عورةً، ويؤمن روعةً، ويرفع أقواماً، ويضع آخرين، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع له عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه. إذاً- أيها الإخوة- نحن نحتاج -حقيقة- إلى علماء نشعر عندما نقرأ لهم بأن إيماننا بالله يزداد.. نحتاج إلى أهل علم عندهم بلاغة في التعبير والأسلوب؛ حتى نقبل على قراءة هذا الكلام النابع من ذلك القلب الحي.. انظر إلى ابن القيم رحمه الله مثلاً يقول: تبارك وتعالى، أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأحق من حمد، وأولى من شكر، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأعفى من قدر، وأكرم من قصد، وأعدل من انتقم.. حكمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن عزته، ومنعه عن حكمته، هو الملك الذي لا شريك له، والفرد فلا ند له، والغني فلا ظهير له، والصمد فلا ولد له ولا صاحبة له، وكل ملك زائل إلا ملكه، وكل ظل قالص إلا ظله، وكل فضلٍ منقطع إلا فضله، لن يطاع إلا بإذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يطاع فيشكر، ويعصى فيغفر، كل نقمةٍ منه عدل، وكل نعمةٍ منه فضل، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وسجل الآثار، وكتب الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، والغيب عنده شهادة، عطاؤه كلام، وعذابه كلام إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]. هذا إبداع- أيها الإخوة- شيء يزيد الذين آمنوا إيماناً.. هذه كلمات سطرها ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم الفوائد.

صناعة الروح

هل رأيت عمالا يحفرون منجم ؟من يشاهد عملية حفر المناجم يندهش من صبر العمال العجيب وعملهم المتفاني المثالي وذلك ممّا لا بد فيه، لأنّ خطأ يسير يعني موتهم ودفنهم أحياء، فتجدهم بعد بدء الحفر والتعمق فيه وضعوا الدعائم لمنع الانهيارات وثبتوا الجدران وألبسوها الشباك وأمدوا خطوط الإنارة واستعدوا لبدء العمل واستخراج الجواهر الثمينة. ويختلف مكان هذه المناجم فمنها ما هو بصحراء مقفرة ومنها ما هو بغابة مثمرة، ولكن القيمة الحقيقة للمنجم الذي ينتج المعدن الأنفس مهما كان مكانه وحالته.هل شاهدت كيف ينقون نتاجهم من الشوائب وهل تأملت هذا النتاج بعد صقله وتلميعه وتغليفه !؟وهذا حال المؤمن ...قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏} [سورة العنكبوت: 69].على كل منّا أن يكون عامل منجم لنفسه فيبدأ في الغور في أعماقها ويصبر ويصابر على تهذيبها وإخضاعها لله الواحد القهار واتباع سنة نبيه المختار، فكلما أتقنت البحث والحفر وصابرت واستعنت بالأدوات اللازمة طهرت روحك ..كلما صقلت نفسك استقامت لك، كلما زاد ايمانك زاد صفائك ، وكلما درست الثقوب في نفسك وسددتها كلما حافظت عليها من الانهيار وما أكثر تلك الثقوب.. التي ان كثرت فقد تكبر وتستفحل وتؤدي لانهيار أنفسنا علينا، ومن هنا يتضح لنا جليا أهمية وعظم الذنب الواحد فالثقب قد يؤدي لانهيار منجم بأكمله فما بالك بأكثر من ثقب!!شـمـر عسى أن يـنـفـع التشـميـرُ *** وانظر بفكرك ما إليه تصيرطولـت آمـالاً تـكـنـفـهـا الـهــوى *** ونسيت أن العمر منك قصيريقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (الفوائد): "للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية؛ فالسافلة دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدوٌ يوسوس له؛ والثلاثة العالية علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده، ان حسن صناعة الداخل تؤدي ولا بد إلى التأثير على الخارج .لنتعاهد أنفسنا ولا نتركها هملا بل لنحاسبها بأشد ما تكون المحاسبة وإيّاك أن تدعوك نفسك للتسويف، فما وضعته بها من ثوابت ودعائم لتخرج ما بها من فضائل لن يدوم طويلا وستسقط تلك الدعائم وستحتاج لأعادة الحفر والبحث من جديد.يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في (الفوائد): "اشتر نفسك اليوم ؛ فإنّ السوقَ قائمة، والثمن موجود، والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يومٌ لا تصل فيه إلى قليل، ولا كثير{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}، {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ}".

حتى تكون لك خديجة كن لها محمداً


اعتاد القراء على طائفة غريبة من الأنباء هذه الأيام ، فكثيرا ما تطالعنا الصحف بخبر تطليق زوج لزوجته لأنها تأخرت في تحضير الغذاء وآخر يضرب "أم عياله" لأنها لم تعد له كوب الشاي ، وثالث يقتل شريكة عمره لأنها زادت الملح بالطعام ..!!!ويؤكد المتابعون أن هذه الحوادث تحمل دلالات خطيرة عن اختلال العلاقة ما بين الزوج وحرمه فما أكثر الأزواج الذين يحمّلون زوجاتهم أعباء تفوق قدراتهم بحجة أنها الزوجة وأنها عليها حسن الطاعة لمطالبه ، فيرى بعض الأزواج حقوقهم دون الإلتفات لواجباتهم .عنها {دخل مجموعة من أهل االحبشة المسجد يلعبون، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا حميراء(1) أتحبين أن تنظري إليهم؟) فقلت: نعم، فقام بالباب ، وجئته فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت:ومن قولهم يومئذ : أبا القاسم طيبا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حسبك) فقلت: يا رسول الله لا تعجل ، فقام لي ، ثم قال : حسبك (فقلت : لا تعجل يا رسول الله، قالت : ومالي حب النظر إليهم ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه) رواه النسائي وصححه الحافظ وتابعه الألباني في آداب الزفاف وأصله في الصحيحين. هل تصورت كيف كانت تقف خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليسترها وقد وضعت ذقنها على عاتقه صلى الله عليه وسلم وأسندت وجهها إلى خده صلى الله عليه وسلم؟ وكانت تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن تبقى فترة أطول، تقول وما بي حب النظر إليهم ولكن كان هدفها أن تسمع النساء مكانتها عنده... ومع ذلك صبر النبي صلى الله عليه وسلم على إطالتها محبة لها ومراعاة لمشاعرها . فعلى الرغم من كل المسئوليات التي يتحملها الرسول الكريم ،إلا انه لا ينس حقوق زوجاته عليه ،فيعاملهم بمنتهي الرقة والحب ولم يقلل أبدا منهم ،فهو القائل في حديثه الشريف "النساء شقائق الرجال " ويستدل من حديثه الشريف أنه أبدا لم يقلل من قيمتها كما هو مفهوم عند الكثير فهو يضعها في منزلة مساوية له وفي مكانة كبيرة ،ولما لا فهي الأم والزوجة والأخت والعمة والابنة والخالة . وإعلاء لمكانة الزوجة ،ومن أجل الرفعة من مكانتها ، والحث على إدخال الفرحة إلى قلبها ، بين الرسول لأمته أن اللهو واللعب مع الزوجة مما يثاب عليه الرجل ، بل لا يعد من اللهو أصلا: ففي حديث عطاء بن أبي رباح قال: رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين يرميان فمل أحدهما فجلس فقال الآخر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل شيء ليس من ذكر الله فهو لغو ولهو إلا أربعة خصال مشي بين الغرضين وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة)وقد بلغت رقة النبي الشديدة مع زوجاته أنه كان صلوات ربي وسلامه عليه يخشى عليهن حتى من إسراع الحادي في قيادة الإبل اللائي يركبنها، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) كان في سفر وكان هناك غلام اسمه أنجشة يحدو بهن (أي ببعض أمهات المؤمنين وأم سليم) يقال له أنجشة، فاشتد بهن في السياق، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم ) "رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير".. (رواه البخاري) . اعتراف على الملأ وفي الوقت الذي يرى فيه بعض الرجال أن مجرد ذكر اسم زوجته أمام الآخرين ينقص من قيمته ، نجد رسولنا الكريم يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع. فعن عمرو بن العاص أنه سأل النبي (صلى الله عليه وسلم ) :"أي الناس أحب إليك. قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ قال: أبوها". (رواه البخاري) .ولم يكن الحال مع عائشة فقط ، ففي موقف آخر تحكي لنا السيدة صفية بنت حيي إحدى زوجات الرسول : "أنها جاءت رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لتنصرف، فقام النبي (صلى الله عليه وسلم ) معها يوصلها، حتى إذا بلغت المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، فقال لهما: "على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي". (رواه البخاري) . وبرومانسية المحب وحنان الزوج " يحكي لنا أنس أن جاراً فارسياً لرسول الله كان يجيد طبخ المرق، فصنع لرسول الله (صلى الله عليه وسلم ) طبقاً ثم جاء يدعوه، فرفض سيدنا محمد الدعوة مرتين؛ لأن جاره لم يدع معه عائشة للطعام، وهو ما فعله الجار في النهاية! سند في الشدائد وحبيبنا المصطفي كان مراعيا للحالة التي عليها المرأة ،في الأوقات التي تكون حالتها النفسية والبدنية مختلفة عن باقية الأوقات ، فعن ميمونة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن، ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض". (رواه أحمد).وفي موقف آخر يحاول الرسول الكريم إن يهدأ من الحالة السيئة لإحدى زوجاته ، فقد دخل الرسول ذات يوم على زوجته السيدة (صفية بنت حيي) ـ رضي الله عنها ـ فوجدها تبكي، فقال لها ما يبكيك؟ قالت: حفصة تقول: إني ابنة يهودي؛ فقال : قولي لها زوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى.. (الإصابة 8/127) وهكذا نرى كيف يحل الخلاف بكلمات بسيطة وأسلوب طيب. رفيق بنسائه وفي وقت يخجل كثير من الرجال من مساعدة زوجاتهم معتقدين أن ذلك قد يقلل من مكانتهم ،نجد رسولنا الكريم لا يتأخر أبدا عن مساعدة زوجاته ،فقد روي عن السيدة عائشة في أكثر من رواية أنه كان في خدمة أهل بيته. فقد سئلت عائشة ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم ) يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله (أي خدمة أهله) (رواه البخاري).وفي حادثة أخرى أن عائشة سئلت عما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يعمل في بيته؟ قالت: "كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم" .يشاورهن في قرارته وفي وقت الذي ينظر فيه الرجال إلى النساء على أنهن ناقصات عقل ودين ،وانه لا يجب أن يأخذ برأيهن ، ،لم يخجل الرسول الكريم وقائد الأمة العظيم في الأخذ برأي زوجته، ويتجلى ذلك في استشارته صلى الله عليه وسلم لأم سلمة في صلح الحديبية عندما أمر أصحابه بنحر الهدي و حلق الرأس فلم يفعلوا ، لأنه شق عليهم أن يرجعوا ، ولم يدخلوا مكة ، فدخل مهموما حزينا على أم سلمة في خيمتها فما كان منها إلا أن جاءت بالرأي الصائبفقالت : اخرج يا رسول الله فاحلق و انحر ، فحلق و نحر ، فإذا بأصحابه كلهم يقومون بقومة رجل واحد فيحلقوا و ينحروا .حليم في غضبه وفي عصر تمتد فيه أيدي الأزواج إلى نسائهم إذا ما أخطاوا ، ننظر إلى حكمة الرسول ورقته ولطفه في التعامل مع نسائه إذا ما حدث أي خلاف بينه وبين زوجاته ، فقد حدث خلاف بين النبي وعائشة ـ رضي الله عنهما فقال لها من ترضين بيني وبينك .. أترضين بعمر؟ قالت: لا أرضي عمر قط "عمر غليظ". قال أترضين بأبيك بيني وبينك؟ قالت: نعم، فبعث رسول الله رسولاً إلى أبي بكر فلما جاء قال الرسول : تتكلمين أم أتكلم؟ قالت: تكلم ولا تقل إلا حقاً، فرفع أبو بكر يده فلطم أنفها، فولت عائشة هاربة منه واحتمت بظهر النبي ، حتى قال له رسول الله: أقسمت عليك لما خرجت بأن لم ندعك لهذا. فلما خرج قامت عائشة فقال لها الرسول : ادني مني؛ فأبت؛ فتبسم وقال: لقد كنت من قبل شديدة اللزوق( اللصوق ) بظهري- إيماءة إلى احتمائها بظهره خوفًا من ضرب أبيها لها -، ولما عاد أبو بكر ووجدهما يضحكان قال: أشركاني في سلامكما، كما أشركتماني في دربكما". (رواه الحافظ الدمشقي) . وعندما يشتد الغضب يكون الهجر في أدب النبوة أسلوباً للعلاج ، فلما يمد الرسول الكريم أبدا يده على أي من زوجاته ، فقد هجر الرسول زوجاته يوم أن ضيقن عليه في طلب النفقة.. حتى عندما أراد الرسول الكريم أن يطلق إحدى زوجاته نجده ودوداً رحيماً، فتحكي (بنت الشاطئ) في كتابها (نساء النبي) ذلك الموقف الخالد قائلة عن سودة بنت زمعة ـ رضي الله عنها ـ أرملة مسنة غير ذات جمال ، ثقيلة الجسم، كانت تحس أن حظها من قلب الرسول هو الرحمة وليس الحب، وبدا للرسول آخر الأمر أن يسرحها سراحًا جميلاً كي يعفيها من وضع أحس أنه يؤذيها ويجرح قلبها، وانتظر ليلتها وترفق في إخبارها بعزمه على طلاقها. وحتى في اشد المواقف التي يتعرض لها بيت النبوة ،والتي هزته بقوة الا وهو حادث الإفك ، كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم نبراساً لكل مسلم، فتروى السيد عائشة في الصحيحين قائلة: فاشتكيت حين قدمناها شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول "كيف تيكم؟" وعندما يخطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبريقول: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً.. وحين يتحدث إلى عائشة يقول لها برقته المعهودة (صلى الله عليه وسلم): أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه"، "حديث الإفك مروي في الصحيحين" حتى أنزل الله من فوق سبع سموات براءة فرح بها قلب النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة والمسلمون جميعهم.فرغم المكانة العظيمة والمنزلة الرفيعة التي يتمتع بها الرسول الكريم ،وتحمله لهموم الأمة الإسلامية بأكملها .. فإن رقته في التعامل مع زوجاته تفوق الوصف..فلا تتعلل بمسئولياتك عزيزي الزوج وكن كما كان محمد لتكون زوجتك كخديجة وعائشة وصفية . ويؤكد العلماء على أنه ليس حسن الخلق مع الزوجة كف الأذى عنها فقط ، بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت أزواجه تراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن اليوم إلى الليل، وراجعت امرأة عمر رضي الله عنه فقال: أتراجعينني؟فقالت: إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم يراجعنه وهو خير منك محيط -بدرية طه حسين وهذا ما يفسر الأرقام المخيفة لقضايا الأحوال الشخصية والخلع والطلاق والنفقة التي تصل إلى جنبات المحاكم ، في حين أن التخلص من هذه المشاكل ليس معضلة في حد ذاته ولا يحتاج جهدا خارقا فنجاح الحياة الأسرية ـ في نظر المراقبين ـ لا يحتاج سوى الإقتداء بسنة الرسول المصطفى محمد صلي الله عليه وسلم في معاملاته الأسرية .فإذا استعرضنا المواقف الخلافية بين النبي وأزواجه فسنجد تصرفاته نموذجاً ينبغي على كل مسلم أن يهتدي به حتى ينال السعادة في الدنيا والآخرة . حنون معطاء ولنرى معاً كيف كان حال الرسول الكريم مع زوجاته ، في مختلف الأحوال ، فالرسول الكريم كان يرفع من شأن زوجاته ويقدرهن ، ويدللهن ، ، فها هو صلوات ربي وسلامه عليه بعد رجوعه من إحدى الغزوات ، يطلب من القافلة أن تسبقه، ويقوم بمسابقة السيدة عائشة وليست لمرة واحدة بل مرتين ، فبعد أن كان القائد الباسل في المعركة منذ ساعات ، أصبح الزوج الحاني المعطاء مع زوجته . وفي موقف آخر تحكي السيدة عائشة رضي الله . للامانة منقول.

الإسبال وحكمه ......موضوع مهم المرجو الدخول


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله
السؤال: ما هو الإسبال وما حكمه ؟ وما هو حده شرعاً وكيف الرد على من قال ( لا أريد به الخيلاء) ؟. وما رأي فضيلتكم فيمن يلبسون الثياب الضيقة والشفافة حتى أصبحوا فتنة لغيرهم ؟. الجواب: الحمد لله الإسبال هو إطالة الثياب أسفل من الكعبين وهما العظمان الناتئان البارزان في أسفل الساق وقد جاء النهي عنه في حديث النبي ( ما أسفل الكعبين من الإزار في النار ) رواه البخاري 5787 ، وهذا الوعيد لا يأتي على شيء مكروه أو مباح بل يأتي التهديد بالنار لمن يفعل محرما . وقول الرجل ( لا أريد به الخيلاء ) تزكية غير مقبولة والحديث عام يشمل كل من جرّ ثوبه سواء خيلاء أم غير خيلاء . أما من جرّ ثوبه خيلاء فعقوبته أشد وأعظم فقد قال النبي : ( الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جرّ منها شيئاً خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ) رواه أبو داود ( 4085 ) والنسائي ( 5334 ) بإسناد صحيح . وأما لبس الثياب الشفافة التي تظهر العورة فإنه محرم لا يجوز ، لأن فاعل ذلك لا يعتبر ساتراً لعورته . وكذلك لبس الثياب الضيقة التي تبين حجم العورة وتفاصيلها وتكون سبباً لحصول فتنة ونحن في عصر ثارت فيه الشهوات وكثرت الفتن فكيف يليق بشباب المسلمين أن يزيدوا الفتنة اشتعالاً ويتعرضوا لسخط الرب عز وجل .

قضية أذية الجيران .... للنقاش


بسم الله الرحمن الرحيم
أذى الجار لجاره
هذه القضية التي أصبحت اليوم شائعة في مجتمعنا بشكل مخزي يندى له الجبين...وهى قضيه (أذية الجار)... والمشاكل التي تحدث بين الجيران..من ضرب وسب .. وغيرها من المحرمات التي نهى عنها الله عز وجل ..بل ووصل الحد إلى القتل...وتشريد العائلات...وغيرها
إذا نظرنا لما ذكره القرآن الكريم في حقوق الجار..وما رواه سيد الخلق النبي عليه السلام في حق الجار..لعلمنا إلى أين اتجهنا..وما مدى انحرافنا في هذا الشأن ..
وليكن نصب أعيننا..أننا مهما فعلنا..وأخفيناه..فلن نستطيع أن نخفيه عن الواحد الديان الذي لا يغفل ولا ينام ....
قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم‏}‏ ‏(‏‏(‏ النساء‏:‏ 36 ‏)‏‏)‏‏.‏ وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏
وكان للرسول صلى الله عليه وسلم جار يهودي يؤذيه ، ويضع القاذورات أمام داره ولما توقف عن الإيذاء زاره رسول الله ، في بيته سائلاً عن حاله ..
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏يا أبا ذر إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏ .وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ والله لا يؤمن، والله لايؤمن، والله لا يؤمن‏!‏‏"‏ قيل‏:‏ من يا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ الذي لا يأمن جاره بوائقه ‏!‏ ‏"‏
‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏"‏ لايدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه‏"‏‏ . ‏ وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليسكت‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏ وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏‏.‏
ماذا تغير علينا...في الأمس كان الجار اقرب من الأخ..بيته .بيتك..وزوجه أختك...وأبنائه بمثابة أبنائك ... عندما يضربك جارك ..لا تتجرا وتخبر أباك لأنه سوف يضربك لعلمه أن جاره ما فعل ذلك إلا لمصلحتك ... اليوم إذا ضربك جارك..وتذهب لتخير أباك..ماذا يحدث...تقوم معركة بين الجيران ولا تنتهي إلا بمصيبة والسبب تافه جدا .... ... في الماضي عندما تمر جارتك من أمامك...فانك تنظر إلى الأرض حتى تمر..لأنك تكره للناس ما تكرهه لنفسك .... ... اليوم تترقب جارتك بكل حواسك وكأنها سلعه رخصة..لا تخاف الله..ولا المجتمع الذي تعيش فيه ..
كانت الناس تعيش سابقا..الفقر مع القناعة..واليوم نعيش الغنى مع الجشع...
كانت الناس تعيش سابقا الجهل ولكن إيمانهم بالله كبير وارتباطهم به قوى...واليوم تقدمنا في كل شئ..الحياة ومغرياتها .. العلم وكل هذه الاختراعات..وأصبحت الحياة سهله بكل ما تعنيه هذه الكلمة...ولكن تأخرنا في ارتباطنا..وغابت عنا الأخلاق والقيم....فأصبحنا نعيش في هذه الدنيا...نتوسد القلق..بل أصبح رفيق دربنا..وشاعت بيننا الأمراض التي لم يعرفها أجدادنا ....
إخوتي إلى أين نتجه؟؟
ديننا الحنيف وسنه رسولنا في اتجاه ونحن في الاتجاه المعاكس...أصبحنا لا نطيق بعضنا...والحقد بيننا ينتشر كما تنتشر النار في الهشيم ...
لماذا برأيكم اختلف تعامل الجار مع جاره إلى الأسوأ؟
ماذا حدث لهذه الدنيا..وماذا تغير فيها؟

(أنا لا أعمم فهناك من يفهم حق الجار على جاره ويُعامل جاره أفضل من نفسه .. ولكن هذه الظاهرة موجودة وبكثرة وأحببت التكلم بها)

نصيحة توجل منها القلوب .... الشيخ ربيع حفظه الله ... من روائع النصائح

السؤال:ما معنى هذا الحديث: " لابَأسَ بالرُّقَى ما لم تَكُنْ شِرْكًا " ؟إجابة الشيخ العلامه ربيع المدخلي حفظه الله ونصره:نعم، لا بأس بالرقى مالم تكن شركًا. الرقية بالطيب في الفرج والدبر ليس منها، يعني: تدعو الله عز وجل، تقرأ آية أو حديثًا أو دعاءً؛ فهذا جائز في الشرع. بعضهم يرقي بالسحر ! يرقي بكلمات فيها شِرك ! يرقي بكلمات أعجمية تحتمل الباطل والشرك! الرقية تكون باللغة العربية، والتقي الصالح ما يتجاوز كلام الله وكلام الرسول، لكن إذا توسَّع وزاد دعاءً من عنده جائزا؛ لا بأس؛ مثل دعاء الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "بسم الله، ربَّ الناسِ ! أذهِبِ البأسَ، واشْفِ أنتَ الشافي، لا شِفاءَ إلا شفاؤُكَ، شِفاءً لا يُغادرُ سقمًا "، أو يرقي نفسه فيقول: بسم الله، بسم الله، بسم الله، أعوذ بعزةِ الله وقدرته مِن شر ما أجد وأحاذر (سبع مرات)، وبسم الله (ثلاث مرات). هذا يعني: عثمان ابن أبي العاص الثقفي كان يشكو مرضًا، فقال الرسول: ضعْ يَدك على الموضع الذي يؤلمك، واقرأ: قل: بسم الله -ثلاث مرات-، وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته مِن شرِّ ما أجِد وأحاذر -سبع مراتٍ-. فقالها؛ فبرأ وشفي. أفضل شي كلام الله، ثم كلام الرسول؛ فاخترِ الأفضل.فيكم رقاة ؟ والله أنا أنصح السلفيين أن لا يدخلوا هذا الباب، ولا ينصب أحد نفسه.الألباني، ابن باز، ابن عثيميين؛ هل نصبوا أنفسهم لهذه الأشياء ؟ السلف من: الصحابة، التابعين، وأئمة الهدى: أحمد، مالك، الشافعي؛ هل نصبوا أنفسهم هكذا ؟! أين أنتم ؟ نقول: السلف السلف، ونحن سلفيون، بعدين نخترع هذه الأشياء ! الرقية جائزة لكن ليست بالطرق هذه. فكونوا أهل اتباع حقّا -بارك الله فيكم-، اتركوا هذه الأشياء التي تشوِّه الدعوة، وتشوه أهلها -بارك الله فيكم-. إذا جاءك إنسان يطلب منك الرقية؛ ارْقِه، أو يذهب عند غيرك وخلاص. والشفاء بيد الله يدعو الله عز وجل؛ يشفيه الله عز وجل، ويخلِص ويدعو بهذه الأدعية لنفسه، والله يجعل له مخرجًا: {مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].السائل: نخشى -يا شيخنا- أن يذهب العوام إلى السحرة والمشعوذين ؟الجواب: خلهم يذهبون ولا يرجعون، أنت مَن الذي كلَّفك ؟! تُفسد نفسك وتفسد حياتك ودينك؛ من أجل أنهم يذهبون للسحرة ! أنت ترقي ؟ نصبت نفسك للرقية ؟السائل : لا -ياشيخ-، لكن هم يأتون إليَّ.الشيخ : اترك اترك. ما يأتون إليك إلا لأنك نصّبتَ نفسك للرقية؛ فاترك هذا الشيء-بارك الله فيك-، اترك الناس لله عز وجل، ولا تتكلف: {وَمَا أَنَا مِنَالْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]. هذه حجة أول راقي في المدينة. كان زميلنا، وكان سلفيًّا جيدًا جدًّا، وكان يدرِّس في المسجد النبوي، واللهِ أثَّر في كثير من الشباب الصوفية في المدينة، أثر أكثر مِن غيره، ثم جاءه الشيطان ! والله استشارني قبل أن يدخل -لأنه صديقي وزميلي- استشارني وقال: يا شيخ ربيع ! أنا علَّمت فلانًا الرقية، والآن يرقي ويأخذ فلوساً قد يأخذ على الرقية 14 ألفًا !! قلت له: أنصحك أن لا تدخل في هذا الباب. قال: والله أخاف على الناس مِن المشعوذين والسحرة. قلت: والله ما أنت مسؤول. وقلت له: أنت لا تقدر على السحرة والمشعوذين؟ فقال: نعم. فقلت له: افعل كما فعل الدعاة إلى الله عز وجل؛ الشيخ عبد الله القرعاوي جاء عندنا في المنطقة وكثير من الناس مرضى على الفرش لا يقومون، من أيّ شيء؟ من الجن، مِن الزار، مِن كذا، ويخرجون ويحصلون الجن في الليل في الأشجار، في الطرق، وكذا. وتتسلط عليهم الشياطين -جهال ما عندهم توحيد-، فجاء ونشر التوحيد، لا رقية ولا شيء -بارك الله فيكم-. كل هذه الأشياء انتهت، كلها انتهت لما انتشر التوحيد والعلم. ولما ينتشر التوحيد والعلم تذهب هذه الأشياء وتزول، ولما يطبق الجهل يكثر السحرة والكهنة والشياطين وإلخ. وفيه تعاون بين السحرة والكهنة والشياطين. فنصحته بأن يفعل كما فعل المصلحون من الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك والخرافات فتذهب عنهم الشياطين فلا يحتاجون إلى الرقاة من الشياطين من السحرة وغيرهم، فأبى ودخل في الرقية -بارك الله فيك-. ! ثم بعد ذلك؛ الناس نافسوه: واحد في الرياض، وواحد في تبوك، وواحد في جدة. فكتب في الصحيفة: إن الشيطان لا يدخل في الإنسان!! وهو لما كان يرقي يضرب الإنسان ضربًا مبرحًا، يقول له: اخرج -يا عدو الله- اخرج ! يعني يعترف بأن الشيطان يدخل في الإنسان !! ثم لما كثر المنافسون له؛ قال: الشيطان لا يدخل في الإنسان !! ألاعيب وحيل -بارك الله فيكم- . اتباع الرسول: أن تفعل كما فعل، لا تتكلفوا، أخلصوا لله عز وجل، وادعوا الله عز وجل وينفع الله عز وجل. خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، هذا هديه في الرقية، لا تتوسع، اسلك طريقه -عليه الصلاة والسلام- عقيدةً وعلمًا وعملا، وحتى في الرقية اسلك طريقته، ولا تتكلف أشياء ما فعلها الرسول -عليه الصلاة والسلام-. أوصيكم -يا إخوة- بتقوى الله تبارك وتعالى: {مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]، في أي باب من الأبواب؛ يجعل الله لك فرَجًا ومخرجًا، إن تتقِ الله عز وجل؛ يجعل لك فرجًا في الدنيا والآخرة، تنجو بتقوى الله من غضب الله وسخطه، تنجو من عقابه في الآخرة، أعد الله لك بهذه التقوى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا - حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا - وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا} [النبأ: 31-33]، كل هذه تنال بالتقوى. تنال الفرج والرخاء والرحمة من الله عز وجل بهذه بالتقوى وتنال أعلى الدرجات -بارك الله فيك- في الآخرة بهذه التقوى.كن سليم العقيدة، سليم المنهج، سليم العبادة تعتقد ما شرعه الله من العقائد في أبواب التوحيد، الربوبية، في الأسماء والصفات، في توحيد العبادة، في صلاتك، في صومك، في زكاتك، في حجك، في بر الوالدين، في اجتناب المعاصي الكبائر والصغائر. فعليكم بتقوى اللهِ، وعليكم بالإخلاص، الإخلاصُ ضروريٌّ في العبادة، في طلبِ العلم، في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، كل الأعمال التي تتقرب بها إلى الله يجب أن تكون مخلصا فيها لله عز وجل: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2]، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 11]، الإخلاص لا بد منه، وإياكم والرياء، وإياكم والشرك -الشرك الأكبر والأصغر-. فأنت تتعلم تريد وجه الله، تبسط لك الملائكة أجنحتها رضًا بما تصنع، وإذا بلغتَ درجة العلماء؛ صِرت من ورثة الأنبياء في ماذا ؟ في الإيمان، في التقوى، في التبليغ في الدعوة إلى الله، في الأمر بالمعروف، في النهي عن المنكر، في حمل راية الجهاد إذا رفعت راية الجهاد، في كل خير تنفع الناس وتدفع الشر عن الناس، ولا ينتشر الخير إلا عن طريق العلم الصحيح، ولا يقضى على الشرور إلا بالعلم الصحيح، لا يقضى على الشرك إلا بالعلم الصحيح، لا يقضى على البدع إلا بالعلم الصحيح، لا يقضى على المنكرات إلا بالعلم الصحيح. إذا انتشر هذا العلم وهذا الخير؛ قلَّت الفتن، قلت البدع، ذهب الشرك ... إلى آخره، إذا ساد العلم في مجتمع من المجتمعات؛ كل هذه الأشياء تتبخر وتذهب إلا ما يبقى من النفاق الذي يتستر أهله هذا شيء آخر، أما الأمور الظاهرة تختفي ولله الحمد. وتتقي الله في طلب العلم، وفي نشره في الدعوة إلى الله، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تخلص لله تتقيه وتخلص له. عليكم بالعلم، عليكم بالعلم، العلم الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-: كتاب الله، وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- بفهم السلف الصالح. يعني إذا صعب عليك فهم الآية والحديث؛ عندك -ولله الحمد- دُونت شروح وتفاسير القرآن؛ تفاسير السلف: تفسير ابن جرير، تفسير البغوي، تفسير ابن كثير، تفسير عبد الرزاق -يعني الشيء المطبوع منه-، تفسير أبي حاتم -الشيء المطبوع-بارك الله فيكم-، ويكفيكم بعضها، وتفسير السعدي جيد -بارك الله فيكم-، عليكم بكتب التوحيد، كتب العقيدة، وشروح الحديث: الحافظ ابن حجر في " الفتح " -مع تجنب زلاته في " الفتح "-، وهو أحسن شرح لكتاب البخاري -صحيح البخاري-، لكن يساعدك في فهم كثير من النصوص لا تستغني عنه -مع الحذر مما ورد في هذا الكتاب من المخالفات العقدية-. ثم التآخي فيما بينكم -يا إخوتاه-، نحن ما عرفنا مثل هذا التفرق والتمزق. واللهِ، الفتنة -الآن- التي تكتنف السلفية والسلفيين في العالم، ما مر مثلها؛ لأن الرؤوس كثرت، وحب الزعامات انتشر -مع الأسف-، والمدسوسون بين صفوف السلفيين كثر -أيضًا-، فمزقوا السلفيين شذر مذر؛ فاحذروا من الفرقة وتنبهوا لهؤلاء المفرِّقين، وتآخوا فيما بينكم، كونوا كالجسد الواحد؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "تَرى المؤمنين في تراحُمِهم وتوادِّهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى عضوٌ تَداعى له سائرُ الجسد بالسَّهر والحمى "، وقال: " المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيان؛ يشد بعضُه بعضًا -ثم شبَّك بين أصابعه- ".أنا أظن -الآن- أنّ كثيرًا من السلفيين إذا مرض أخوه أو أصابته مصيبة يفرح بذلك ولا يتألم ! لماذا ؟! لكثرة الفتن التي انتشرت فيهم، ونشرها أهل الأهواء. أنا أقول -غير مرة-: إنا أدركنا السلفيين في مشارق الأرض ومغاربها كلهم متحابون متآخون على منهج واحد لا خلافات بينهم, فانتشرت الدعوة السلفية في العالم شرقه وغربه؛ فانتبه الخبثاء من اليهود والنصارى والمبشرين ورؤوس الضلال من الروافض والصوفية الذين يتعاونون مع الأعداء والأحزاب الضالة، واللهِ يتعاونون مع الأعداء وبينهم علاقات خفية وظاهرة، ولا يتعاونون إلا ضد المنهج السلفي، فنشروا وبثوا سموم الفرقة في السلفيين لما امتدت في مشارق الأرض ومغاربها، بثوا سموم الفرقة في أوساط السلفيين؛ فمزقوهم شرَّ ممزق، ونشأ أناس لا يفهمون السلفية على وجهها، يزعم أحدهم أنه سلفي !! ثم لا تراه إلا وهو يقطع أوصال السلفية؛ لسوء سلوكه وسوء المنهج أو المناهج السيئة التي انتشرت وتهدف إلى تفريق السلفيين وتمزيقهم. السلفية تحتاج إلى عقلاء، تحتاج إلى رحماء، تحتاج إلى حكماء، تحتاج قبل ذلك إلى علماء. فإذا كانت هذه الأمور ليست موجودة في السلفيين، فأين تكون السلفية ؟ تضيع -بارك الله فيكم-. فتعلَّموا العلم، الذي يحس منكم بالكفاءة، الله أعطاه موهبة الحفظ، موهبة الفقه في الدين؛ يشمر عن ساعد الجد في تحصيل العلم؛ حتى ينفع الله به، ويلم بقدر ما يستطيع شتات السلفيين على دين الله الحق، ويؤاخي ويؤلف بينهم. وابحثوا عن هؤلاء، وشجعوهم في التعلم ونشر الأخوة والمودة فيما بين السلفيين. أما الآخرون -حتى لو كانوا يهودا أو نصارى- انشروا دعوتكم في أوساطهم بالحكمة والموعظة الحسنة، أنتم ما تقرؤون قوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] ؟ الله يخاطب رسوله ليستخدم هذه الدعوة في أوساط الكفار؛ لأن الحكمة والموعظة الحسنة إذا فارقت الدعوة انتهت الدعوة، إذا استخدمنا التوحش في الأخلاق وتنفير الناس، خلاص انتهت السلفية ! " إنَّ منكم مُنَفِّرين "، " يَسِّرُوا ولا تُعَسِّروا، وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا "، استخدموا هذه الأساليب إن أردتم لأنفسكم خيرًا وللناس خيرا؛ فاتبعوا هدي القرآن والسنة في التعامل فيما يبنكم، وفي نشر هذه الدعوة {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا} [الفتح: 29]، {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88]، {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، رسول الله أكمل البشر وأفضلهم وأفصحهم وأعلمهم، لولم يوجد فيه هذا الوصف؛ لانفض الناس عنه، وتركوه، وتركوا دعوته، كيف أنت المسكين !! نحتاج إلى حسن الأخلاق وحسن التعامل فيما بيننا قبل كل شي، والتآخي والتلاحم، ثم في دعوتنا نستخدم الحكمة والموعظة الحسنة. {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29]، إذا ما استجابوا لدعوتنا، يعني نقاتل من يستحقون القتال، طبعًا بعد المقدمات، وبعد الدعوة، وبعد البيان، وبعد كل شيء -بارك الله فيكم-. الشدة على المنافقين يعني: نقيم عليهم الحجة والبرهان، ليس بسوء الأخلاق. والشدة على الكفار: بالسيف، إذا لم يدخلوا في الإسلام، وعاندوا، وكابروا، وفعلوا وفعلوا، واعتدوا على المسلمين؛ حينئذ يشرع القتال -بارك الله فيكم-. الشاهد: الآن نحن ما عندنا سيوف غير الحجة والبرهان والأخلاق. الأخلاق هي أمضى الأسلحة في كبت أهل الضلال ودمغهم بالحجة وفي رد الكافرين، وفيه هداية الجميع إن شاء الله -بارك الله فيكم-. نسال الله أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وأرجو أن يجعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، وطنوا أنفسكم على الاستفادة مما تسمعون من الخير والحق، وطِّنوا أنفسكم على التطبيق والعمل -بارك الله فيكم-. وإن شاء الله هذه الظواهر السيئة بالحكمة والتعقل تنتهي، وييأس الأعداء من تفريقنا وتمزيقنا، وإلا إذا لم نسمع ونستخدم هذه الأخلاق؛ فسيظل الشباب السلفي لعبة بأيدي خصومهم وأعدائهم؛ عليكم بالحكمة وعليكم بالتعقل، وعليكم بالصبر، وعليكم بالتراحم والتآخي فيما بينكم، ثم نشر هذه الدعوة بالأخلاق العالية، وسترون كيف يقبل الناس على هذه الدعوة. نسأل الله لنا ولكم التوفيق. أستأذنكم -بارك الله فيكم- وليس المراد كثرة الكلام، الإنسان قد يسمع كلمة، وينفعه الله بها. وكان السلف قليلي الكلام، كلامهم قليل، ولكن كان نفعهم كبيرا؛ لأنهم يجدون آذانا صاغية. فنسأل الله لنا ولكم التوفيق.موقع الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله

إن الإسلام قادم



إن الإسلام قادم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادى له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [ آل عمران : 102] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [ النساء : 1 ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [ الأحزاب70 – 71] أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار . ثم أما بعد : فحياكم الله جميعا أيها الآباء الفضلاء وأيها الأخوة الأحباب الكرام الأعزاء وطبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا .وأسال الله العظيم الكريم جل وعلا الذى جمعنا وإياكم فى هذا البيت المبارك على طاعته ، أن يجمعنى وإياكم فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته إنه ولى ذلك والقادر عليه .أحبتى فى الله (إن الإسلام قادم!)
هذا ما أُعَنون به موضوع لقاءنا اليوم مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم الأعز، وفى هذه الظروف العصيبة الرهيبة التى تمر بها أمتنا الحبيبة .
وكما تعودنا أحبتى حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً
سوف أركز الحديث مع إخواني تحت هذا العنوان فى العناصر التالية .
أولاً: واقع مُر أليم .
ثانياً: ولكن الإسلام قادم
ثالثا: منهج عملى واجب التنفيذ .
فأعرونى القلـوب والأسماع جـيداً، والله أسأل أن يقـر أعيننا بنصر الإسلام وعز الموحدين، وأن يشفى صدور قوم مؤمنين، إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شىء قدير .
أولاً: واقع مر أليم .
أحبتى الكرام.
لقد ابتليت الأمة الميمونة بنكسات وأزمات كثـيرة على طول تاريخها، مروراً بأزمة الردة الطاحنة، والهجمات التترية الغاشمة، والحـروب الصليبية الطاحنة، لكن الأمة مع كل هذه الأزمـات والمآزق كانت تمتلك مقومات النصر من إيمان صادق، وثقة مطلقة فى الله واعتزاز بهذا الدين، فكتب الله لها جل وعلا النصرة والعزة والتمكين، ولكن واقع الأمة المعاصر واقـع مر أليم، فقدت فيه الأمة جل مقومات النصر بعد أن انحرفت الأمة انحرافاً مروعاً عن منهج رب العالمين وعن سبيل سيد المرسلين ، انحرفت الأمة ووقعت فى انفصام نكد بين منهجنا المضىء المنير وواقعهـا المؤلم المر المرير، انحرفت الأمة فى الجانب العقدى، والجانب التعبـدى، والجانب التشريعى والجانب الأخلاقى، والجانب الفكرى، بل وحتى فى الجانب الروحى، وما تحياه الأمة الآن من واقع أليم وقـع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابي هذه السنن أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات تستدعي المحاباه، بل ولن تعود الأمة إلى عزها ومجدها إلا وفق هذه السنن التى لا يجدى معها تعجل الأذكياء ولا هم الأصفياء، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [ الرعد: 11 ].
والله لقد غيرت الأمـة وبدلت فى جميع جوانب الحياة، فتأمل ستجد الأمة استبدلت بالعبير بعرى، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم حريق محرق مهلك مدمر، وظنت الأمة المسكينة أنها يوم أن نَحَّت شريعة الله وشريعة رسول الله وراحت تلهث وراء الشرق الملحد تارة ووراء الغرب الكافر تارة آخرى أنها قد ركبت قارب النجاة، فغرقت الأمة وأغرقت وهلكت الأمة وأهلكت، ولن تعود الأمة إلى سيادتها وريادتها إلا إذا عادت من جديد إلى أصل عزها ونبع شرفها ومعين كرمها ومعين بقاءها ووجودها إلى كتاب ربها وسنة حبيبها ورسولها .
أيها الشباب لقد انحرفت الأمـة فزلَّت وأصبحت قصعة مستباحة لكل أمم الأرض، وصدق فى الأمة قول الصادق الذى لا ينطق عن الهوى كما فى كما فى حديثه الصحيح الذى رواه أحمد وأبو داود من حديث ثوبان أنه قال: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها)) فقال قائل: من قلة نحن يومئذ. قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن فى قلوبكم الوهن)) قيل وما الوهن يا رسول الله ؟! قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت ))([1]).
نعم والله صدقت يا حبيبى يا رسول الله لقد أصبحت الأمة الآن غثاء، ذلت بعد عـزة، جهلت بعد علم، ضعفت بعد قـوة، وأصبحت الأمة الإسـلامية فى ذيل القافلـة الإنسانية كلها، بعد أن كانت الأمـة بالأمس القريب، الدليل الحاذق الأرب، بعد أن كانت تقود القافلة الإنسانية كلها بقدارة واقتدار، أصبحت الأمة الآن تتسول على مائدة الفكر الإنسانى .
بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب منارة تهدى الحيارى التائهـين ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل وأرهقهم طول المشي فى التيه والظـلام، لقد أصبحت الأمة المسكينة تتأرجح فى سيرها بل لا تعرف طريقها الذى ينبغى أن تسلكه ويجب أن تسير فيه، بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب جداً الدليل الحاذق الأرب فى الضروب المتشابكة فى الصحراء المهلكة التى لا يهتدى لليسر فيها إلا الأدلاء المجربون .
أهذه هى الأمة التى زكاها الله فى القرآن،ووصفها بالخيرية فى قوله تعالى :
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [ آل عمران: 110 ]
أهذه هى الأمة التى زكاها الله فى القرآن بالوسطية فى قوله تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [ البقرة: 143 ] أهذه هى الأمة الـتى أمرها الله بوحدة الصف والاعتصام بحبل الله المتين فى قوله سبحانه تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا [ آل عمران: 103 ].
وفى قوله سبحانه وتعالى: وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [ آل عمران: 105 ].
إن الناظر إلى واقع الأمة المر المرير الأليم الذى لا يكاد يخفـى على أحد ومما تتعرض له اليوم -لا أقول دولة بعينها بل ما تتعرض له الأمـة جلها- من إذلال مهـين، وما تتعرض له الآن من ذل وهـوان وضرب ليأكد تأكيداً جازمـاً هذا الواقـع المر الأليم الذى لا يحتـاج لمزيد بيان أو مزيد تشخيص أو تدليل . أيها الأحبة الكرام ..
لا ريب على الاطلاق أن الأمة فى سبات منذ أمد طويل، ولا ريب أنها مرضت وغـاب مرضها وجهلت وعظم جهلهـا، وضلت وضل قائدها، وتراجعت للوراء بعيداً بعيداً، ولكن مع كل هذا وذاك بحول الله وقوته لم تمت ولن تموت هذه الأمة الميمونة بموعود الصادق الذى لا ينطق عن الهوى ، لإن أبناء الطائفة المنصورة فى هذه الأمـة لا يخلو منها زمان ولا مكان بشهادة سيد الخلق أجمعـين كما فى الصحيحين من حديث معاوية أن النبى قال: ((لا تزال طائفة من أمتى قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم ظاهرون على الناس ))([2]).
أسال الله العلى القدير أن يجعلنا وإياكم من أبناء هذه الطائفة المنصورة التى تعيش لدين الله وتتمنى أن تنصر بكل سبيل دين الله .
ولئن عرف التاريخ أوساً خزرجا فلله أوس قادمـون وخــزرج
وإن كنوز الغيب تخفى طلائـع حـرة رغـم المكـائد تخـرج
صبح تنفس بالضيـاء وأشـرقا وهذه الصحوة الكبرى تهز البيرقا
وشبيبة الإسـلام هـذا فيلـق فى ساحة الأمجـاد يتبـع فيلـقا
و قوافل الإيمـان تتخذى المدى ضـرباً و تصنع للمحيط الزورقا
وما أمر هذه الصحوة الكـبرى سوى وعد من الله الجليل تحققا
هى نخـلة طاب الثـرى فنمى لها جذع طويل فى التراب وأعذقا
هى فى رياض قلوبنـا زيتونـة فى جزعها غصن الكرامة أورقا
فجر تدفق من سيحبس نوره ؟! أرنـى يداً سدت علينـا المشرقا
ثانيا: ولكن الإسلام قادم !!
ولكن الإسلام قادم.. هذا وعد ربنا رغم أنوف المشركين والمنافقين والمجرمين إن الإسلام قادم .. نعم قادم، أنا أعى ما أقول، وأعى واقع الأمة المر الأليم الذى ذكرت باختصار سالفاً، ومع ذلك أؤكد لكم جميعـاً بيقين جازم أن الإسلام قادم، فلقد سطر علام الغيوب فى كتابه العزيز:
وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ آل عمران: 139] . بالإيمان لا تهنوا، بالإيمان ولا تحزنوا، بالإيمان أنتم الأعلون، والله إنني أعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يوجد على وجه الأرض شر محض، بالرغم ما نراه الآن من تهديدات لا لبلد ما، بل للأمة جلها، فأقول: إن هذا الشر سيجعل الله جل وعلا فيه خـيراً كثيراً، فما من أزمة مرت بالأمة إلا وجعلها الله تبارك وتعالى سبب لقوة الإسـلام، وما من ابتـلاء إلا وجعله الله سبباً لتمحيص الصدور، وسبب لتمايز الخبيث من الطيب، فلقد قال الله فى كتابه العزيز أَ َحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّـا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَـدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ . [ العنكبوت: 2 - 3]
ولقد ذكر سلطان العلمـاء الإمام العز بن عبد السلام فى البـلاء سبعة عشر فائدة، ذكر هذه الفوائد كلها فى البلاء، فلا تظن أنه مع هذه الأزمة سيزول الإسلام، وسينتهى المسلمون لا وألف لا، لا والله .
لقد هجم القرامطة على المسلمين فى بيت الله، وذبحوا الطائفـين حول بيت الله، واقتلع أبو طاهر القرمطى الخبيث الملعون المجرم الحجر الأسود من الكعبة، وظل يصرخ بأعلى صوته – عليه لعنة الله – فى صحن الكعبة وهو يقول: أين الطير الأبابيل ؟! أين الحجارة من سجيل ؟!
انظروا إلى هذه الفتنة العاصفـة الطاحنة على كل مسلم، وظل الحجر الأسود بعيداً عن بيت الله ما يزيد عن عشرين عاماً، ومع ذلك كله رد الله الحجر، ورد الله المسلمين إلى دينه، وانتصر الإسـلام على القرامطـة كما تعلمون .
وها هو بـلاء آخر لقد هجم التتار الكافر على بغـداد وظلوا يذبحون ويقتلون أربعين يوماً حتى جرت الدماء فى شوارع بغـداد، ومع ذلك كله رد الله المسلمين إلى الإسلام، وأخذ الله الصليبيين والتتار وهزمهم شر هزيمة على أيد الصادقين المخلصين الأبرار، أليس هو القائل:
وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ آل عمران: 139 ]
ولكننا يا أمة الإسلام نريد تحقيق الإيمان فتدبروا معنى الآية الآنفة الذكر تقول لا تهنوا بالإيمان ولا تحزنوا بالإيمان أنتم الأعلون بالإيمان، إذاً لا مفر البته من تحقيق الإيمان الصادق المخلص بالله رب العالمين .
وتدبروا معى قوله تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ الصف: 8-9 ].
وتدبروا معى واسمعوا وعوا جيداً قول رب العالمين: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [ التوبة: 32-33 ].
إن المجرمين الكفرة الفجرة يريدون أن يطفئوا دين ال،له وأبداً أبداً يأبى الله إلا أن يتم نوره، أعتقد اعتقاداً جازماً أنها معركة غـير متكافئة، لأنها بين القادر القاهر وبين الكفرة الفجرة، إى والله إنها معركة غير متكافئة، فمن له اليد العليا ؟!!
اسمع لقـول الله عـز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [ الأنفال: 36].
نعم سينفقون آلاف الملايـين ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبـون، فها هو الإسلام مازال قوياً شامخاً وسيبقى قوياً شامخاً، أين القرامطة ؟! أين التتار ؟! أين الصليبيون ؟! أين المجرمون ؟! بل أين فرعـون وهامان ؟! بل أين أصحاب الأخدود ؟! أين كل من عاد وحارب الإسـلام أين ؟! هلك الجميع وبقى الإسـلام، وسيبقى بموعود الرحمن قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [ الأنفال: 36 ]
استحلفكم بالله الذى لا إله إلا هو أن تنتبهوا جيداً، وتعوا ما أقوله وما سأقصـه عليكم الآن لقد كنت فى زيارة لأمريكا فى العشرة الأواخـر من رمضان الماضي ووقفت على وثيقة التنصـير الكنسي، ورأيت بابا الفاتيكان جون بول الثانى يصـرخ فى هذه الوثيقة على كل المبشرين - أى على كل المنصرين فى أنحاء الأرض – قائلاً: هيا تحـركوا بسرعة لوقف الزحف الإسلامى الهائل فى أنحاء أوربا، ما تحرك أحد للإسلام، والله لو بُذل للإسلام ما يبذل لأي دين على وجه الأرض، ما بقى إلا الإسلام .
فى الثالث والعشرين من رمضـان الماضى التقيت برئيس جمعيـة شرطة المسلمين فى أمريكا، وهو ضابط أمريكى الأصـل، دار بينى وبينه حوار طويل، بدأت حـوارى بسؤال فقلت له: كيف أسلمت ؟! وتعجبت كثيراً حينما قال لى بأنه كان قسيساً متعصباً للنصرانية، يقول: لقد قرأت القرآن – أى الترجمة – وقرأت عدد لا بأس به من أحاديث صحيح البخاري وقد ذهبت يوماً إلى زميل لى وهو أمريكى مسلم فقالـوا: إنه بالمسجد، فدخلت المسجد لأنادى عليه، فسمعت الآذان وأنا بباب المسجد، يقول: لقد هزت كلمات الآذان أعماقي وشعرت بتغيير كبير فى داخلي، لا أستطيع أن أعبر لك عنه، لأننى ما تذوقت طعمه قبل أن أستمع إلى هذه الكلمات الآذان، ثم نظرت إلى المسلمين وهم يصلون يقومـون معاً ويسجدون معاً، وأنا أنادى على زميلى وهو فلا يرد علىَّ، فلما فرغ من الصلاة قلت له: أنا رئيسك فى العمل وأنادى عليك، فلم لا تجيبنى ؟! قال: أنا فى صلاة بين يدى ربى جل وعلا لا أجيب إلا هـو، فأحسست بسلام عميق فى صـدرى لهذا الدين. فقلت لزميلى: ماذا تصنعـون إن أردتم أن تدخلـوا الإسـلام ؟! فأمرنى بالإغتسال، فاغتسلت وخرجت إلى صحن المسجد، فشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وكان إسمى مايكل، فأصبح اسمى عبد الصبور، فقلت له سائلاً: ما نظرتك لمستقبل الإسلام فى أمريكا ؟! قال: الإسلام قوى جداً جداً فى أمريكا، وأرجو أن تدققـوا الألفاظ فأنا أقول: الإسلام لا أقول المسلمون، ثم قال لى أبشرك بأن كثيراً من الأمريكان بدأوا يفهمون أن رسالة عيسى هى رسالة محمد، هى الإسـلام، فقلت له: فهـل لك أن تقص علىَّ قصة مؤثرة لعضو من أعضاء جمعيتكم ؟! قال يا أخى القصـة الوحيدة التى أستطيع أن أؤكدها لك هى أن الإسلام ينتشر بقوة فى الشرطة الأمريكية، ولقد ذهبت مع بعض إخواني من الدعاة والمشايخ إلى إخواننا الأمريكان من السود بمسجد التقـوى، فورب الكعبة لقد احتقـرنا أنفسنا بينهم، ترى الواحد منهم فى صـلاته خاشعاً يذكرك بسلف هذه الأمة، والتقيت بضابط يقول لى: أصبح من بين هذا العدد ولله الحمد ما يزيد على ألفين وخمسين ضابط يوحدون الله جل وعلا، وهذا عدد كبير ليس بالعدد القليل الهين، ثم قص علىَّ قصة طريفة، فقال لقد أسلمت ضابطة أمريكية ،وجاءت فى اليوم التالى تلبس الحجاب، فقال لها رئيسها: ما هذا ؟! قالت: لقد أسلمت قال: لا حرج، لكن اخلعى هذا الثوب .
قالت: لا، وردت المرأة بقول عجيب أتمنى أن تستمع إليه كل متبرجة فى بلدنا،وتنتسب إلى الإسـلام، قالت: إن الله هو الذى أمـرنى بالحجاب، ولا توجد سلطة على وجه الأرض تملك أن تنـزع عنى هذا الحجـاب إلا بأمر الله، الله أكبر !!
إنه اليقين، نعم اليقين، كلمات عجيبة ورب الكعبة، قلت له: أخى أود منك أن توجه ثلاثة رسائل: الرسالة الأولى للأمريكان، والرسالة الثانية للمسلمين فى أمريكا، والرسالة الثالثة للمسلمين فى مصـر، فقـال: أما رسالتى الأولى للأمريكان هى إننا نؤمن بعيسى كما نؤمن بمحمد، سبحان الله !! إنه فهم دقيـق عميق للدين، ولا عجب فقـد كان الرجل قسيساً، ونود أن يعلم هؤلاء أننا نجـل عيسى ونجل مريم عليهما السلام.
قلت: وجه رسالة للمسلمين فى أمريكا، قال: أقـول لهم اصبروا ولا تتعجلوا فإنه لا يتحقق شىء أبداً بدون الصبر (ترجمة حرفية لكلام الرجل)، ثم أقول لهم إن أخطأ واحد منكم فلا ينبغى أن تفزعوا وتحزنوا، فلو لم نخطأ ما احتجنا الرب سبحانه وتعالى، فإننا نخطـأ لنتوب إلى الله عز وجل. إنه ورب الكعبة أفق رجل عميق الفكر دقيق النظر .
قلت: فوجه رسالة أخـيرة للمسلمين فى مصر سأنقلها على لسانك إلى الآلاف من المسلمين، فقال: قل لهم: إن بعدت بيننا وبينكم آلاف الأميال فإن رحمة الله قد وسعت كل شىء، وإننا نحبكم فى الله .
أيها الشباب: اعلموا أنه قد بلـغ عدد المساجد فى قلب قلعة الكفر ما يقرب من ألفي مسجد، وفى ولاية نيويورك فقط مائة وخمسة وسبعون مركزاً ومسجداً إسلامياً .
ألم يقل ربنا: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
وإن آخـر الإحصائيات تقول بأن عدد المسلمين فى فرنسا يزيد على خمسة ملايين مسلم، وفى بريطانيا عدد المسلمين يزيد على مليوني مسلم، وفى كل سنة يدخل الإسلام من البريطانيين ما يزيد على ألفي مسلم من أصل بريطاني، أرقام تبشر بالخير !! فالإسلام دين الفطرة، وإنه لقادم لا محال مهما وُضِعت فى طريقه العقبات والسدود والعراقيل قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [ الفتح: 28 ] ..
إن هؤلاء الكفرة لو سمعوا عن الإسلام وعرفوا صـورته الحقيقية جاءوا إليه مسرعين، فإنهم يعيشون حالة قلـق رهيبة، ومن سافر إلى بلاد الشرق والغرب وقف على حجم عيادات الطب النفسي، وعرف حجم هذا الخطر، فإنهم قد أعطـوا البدن كل ما يشتهيه، وبقيت الروح فى أعمـاق أبدانهم تصرخ وتبحث عن دواءها وغذاءها، ولا يعلم دواءها وغذائها إلا الله، قال جل فى علاه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِن َ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [ الإسراء: 85 ].
وها هم العلمانيون يريدون أن يخلعوا عباءة الإسلام عن تركيا بكل قوة يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [ التوبة 32 ] .
ففى زيارتى الأخـيرة يقول لى أخ تركى: إن عدد المساجد فى تركيا يزيد عن خمسة وستين ألف مسجد، ويقسم لى بالله أنهم فى رمضان الماضي كانوا يصلون الفجر خارج المسجد كأنهم فى صلاة الجمعة، ومع ذلك انظر إلى الضربات التى تكال على تركيا كيلاً، فإن أتباع أتاتورك الخبيث الهالك يريدون أن يجعلوها علمانية، بعيداً عن الإسـلام، لكنهم عاجـزون، إنهم يرقصون رقصة الموت لما يرون كل يوم من شباب فى ريعان الصبا، وفتيان فى عمر الورود يغذون هذا المد الإسـلامى الهائل، لا أقول فى مصر ولا فى بلاد المسلمين بل فى العالم كله.
إننا والله نرى العجب العجاب، ونرى الخير الكثـير هذا من باب قـول الله سبحانه: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ آل عمران: 139 ].
وفى الحديث الذى رواه الإمام أحمد من حديث حذيفـة بن اليمان وهو حديث صحيح أن النبى قال: ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ))([3])
أسأل الله أن يعجل بالخلافة التى على منهاج النبوة، وأن يمتعنا بالعيش فى ظلالها، وإن لم يقـدر لنا فأسأله أن لا يحـرم أبنائنا وأولادنا إنه ولى ذلك والقادر عليه .
وفى الحديث الذى رواه مسلم من حديث ثوبان أن الصادق المصدوق قال: ((أن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتى سيبلغ ما زوى لى منها ….. ))([4])
يا أمة التوحيد: لم اليأس ؟!! إن اليأس سيزيد النشيط خذلاناً، وسيزيد اليائس والقانط يأسأً وقنوطاً .
الرسول هو فى أحلك الأزمـات والأوقات وهو يُطـارد، وأصحابه مهاجرون يقول لخباب بن الأرت ((والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ))([5]) أليس الله هو القائل: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ آل عمران: 139 ].
يا أهل التوحيد: اعلموا علم اليقين بأن كل ابتلاء يزيد الإسلام صلابة، ويزيد المسلمون قوة، ويخرج من الصف من اندس فى صفوف المؤمنين وقلبه مملوء بالنفاق، يقول النبى كما فى صحيح مسلم من حديث صهيب عنه: ((عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن إصابته سَّراء شكر، فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ))([6]).
فى الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه على شرط الشيخين وأقر الحاكمَ الذهبيُ، وقال الألبانى: بل هو صحيح على شرط مسلم من حديث تميم الدّارىّ أن الحبيب النبى قال: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترُكُ الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعزٍ عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر ))([7])
ومن جميـل ما قاله المفكر الشهير اشبنكنـز: إن للحضارات دورات فلكية فهى تغرب هنا لتشرق هناك، وإن حضارة أوشكت على الشروق فى أروع صورة، ألا وهى حضارة الإسلام الذى يملك وحده أقوى قوة روحانية عالمية نقية.
أيها الموحدون: والله والله ما بقى إلا أن ترتقى هذه الأمـة إلى مستوى هذا الدين وأن تعرف الأمة قدر هذه النعمة التى امتن بها علينا رب العالمين .
لقد ذكرت آنفاً أن ما وقع للأمـة وقع وفق سنن ربانيـة لا تتبدل ولا تتغير، ولن تعود الأمة إلى عِزَّتها وسيادتها إلا وِفْقَ هـذه السنن التى لا يجدى معها تعجل الأذكياء ولا وهم الأصفياء، إذاً محال محال أن ينصر الله عز وجل هذه الأمة وهى خاذلة مضيعة لدينه، بل لا بد أن تنصر الأمة دين الله لينصرها، أليس الله هو القائل: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [ الحج: 40 ]
أليس الله هو القائل: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [ غافر: 51 ].
أليس الله هو القائل: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم: 47]
أليس الله هو القائل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ النور: 55 ].
إذاً لا بد أن نقف جميعـاً على بنود هذا المنهج العملى الواجب التنفيذ، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء، و أرجىء الحديث عن هذا العنصر إلى ما بعد جلسة الاستراحة وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم .
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعـوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فـلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله اللهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وأحبابه، وأتباعـه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الأحبة الكرام .
ثالثاً: منهج عملى واجب التنفيذ .
أول خطوة عملية على طريق عودة الأمة إلى عزتها وسيادتها وعلى طريق نصرة الله لها هى أن تعود عوداً حميـداً إلى كتاب الله وسنة رسول الله
والعودة إلى القرآن والسنة ليست نافلة ولا تطوعاً ولا اختياراً من الأمة، بل إنها عودة واجبة بل إنها حدّ الإسلام وشرط الإيمان، فلقد سجل الله فى كتابه العزيز: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ النساء: 65 ]
فالخطـوة العملية الأولى أن أبدأ بنفسى وتبـدأ بنفسك، ولا ينبغى أن نعلق كل ما نسمع على غيرنا، فلنبدأ من الآن قال تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [ آل عمران: 165 ].
فلو بدأ كل واحد منا وحـوّل هذا الكلام فى بيته وفى عمله وفى شتى أمور حياته كلها إلى واقع عملى ومنهج حياة، والله لغير الله حالنا، فليرجع كل مسلم إلى الله وإلى كتـاب الله، وإلى سنة رسول الله وليعـلم كل مسلم على وجه الأرض أن شعار المنافقـين واليهود هو: سمعنا وعصينا، وأن شعار المؤمنين سمعنا وأطعنا .
قال تعالى : إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [ النور: 51 ]
هذا قول الله، ومن أصدق من الله قولاً ؟!
أما شعار أهل النفاق فقد سطر الله فى كتابه عنهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاَّ بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [ النساء: 60-61 ] .
الخطوة الثانية: تمايز الصف المؤمن عن الكافر.
اختر لنفسك الطريق وحدد السبيل والغاية من الآن، وقل لنفسك هل أنت متمثل لأمر الله ولأمر رسول الله – شعارك: سمعنا وأطعنا، أم شعارك: سمعنا وعصينا، واعلم: ((أن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ))([1]) .
الخطوة الثالثة: إقامة الفرقان الإسلامي
هذه هى الخطـوة العملية الثالثة من بنود المنهج، ليبدأ كل منـا بنفسه ليستبين سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين، لا نريد أن نعيش هـذه الحالة التى عليها الأمة … حالة الغبش، و حالة التذبذب، وحالة اللا ولاء، واللا براء بهذه الحالة لن نقيم لله ديناً فى أرضه، بل لابد أن توالى الله ورسوله والمؤمنين وأن تتبرأ من الشرك بكل صوره والمشركين على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، علينا أن نُطَهِّرَ عقيدة الولاء والبراء، ونربى أولادنا على هذه العقيدة.
أين الولاء لله ورسوله وللمؤمنين فى كل مكان وزمان ؟! وأين البراء من الشرك كله والمشركين أينما وحينما وجدوا ؟! لابد من إقامة الفرقان الإسلامى حتى يستبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنـين .
ومن أروع صور الولاء والبراء ما رواه ابن جرير الطبرى وغيره بسند صحيح أن النـبى قال: ((ادعـوا لى عبد الله بن عبد الله بن أُبى بن سـلول)) فلما جاء قال له رسول الله : ((ألا ترى ما يقول أبوك يا عبد الله؟)) فقال عبد الله: وماذا يقول أبى، بأبى أنت وأمى يا رسول الله؟ فقال رسول الله : ((يقول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)) فقال عبد الله: لقد صدق والله يا رسول الله، فأنت والله الأعز، وهو الأذل، أما والله لقد قدمت المدينة يا رسول الله، وإن أهل يثرب لا يعلمون أحـداً أبَرَّ بأبيه منى، أما وقد قال فلتسمعن ما تَقَرُ به عينُك.
فلما قدموا المدينـة قام عبد الله على بابها بالسيف لأبيـه ثم قال: أنت القائل: لئن رجعنا إلى المدينـة ليخرجن الأعز منها الأذل ؟!! أما والله لتعرفن هل العزة لك أم لرسول الله، والله لا يأويك ظلها ولا تبيـتن الليلة فيها إلا بإذن من الله ورسوله . فصرخ عبد الله بن أُبى: يا للخـزرج ابنى يمنعنى بيتي !! فاجتمع إليه رجال فكلموه. فقال: والله لا يدخل بيته إلا بإذن من الله ورسوله. فأتوا النبى فأخبروه فقال: ((اذهبوا إليه فقولوا له: يقول لك رسول الله خلِّه ومسكنه)) فأتوه، فقالوا له ذلك، فقـال: أما وقد جاء الأمر من رسول الله فنعم. ليعلم من الأعز ومن الأذل
إنه الولاء لله ورسوله .. أليس الله هو القائل: لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [ المجادلة: 22 ]
رابعاً: رفع راية الجهاد .
لنرفع راية الجهاد لتكون كلمة الله هى العليا، لا من أجل وطنية ولا من أجل قومية ولا من أجل حرية لقول سيد البشرية ((من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله ))([2])
ولن ترفع الأمة راية الجهاد إلا إذا عادت ابتداءً إلى كتاب الله وسنة رسول الله.
خامساً: تحويل الإسلام فى حياتنا بأخلاقياته وسلوكياته إلى واقع عملي ومنهج حياة .
إننا نرى بوناً شاسعاً بين منهجنا وواقعنا، بين ما نتعلمه من أخلاق وما نحن عليه من أخلاق، فلابد أن نحـول هذا الدين العظيم إلى واقع عملي فى بيوتنا وفى عملنا وفى شوارعنا وشتى أمور حياتنا .
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لنعلم يقيناً أن القول إذا خالف العمل بذر بذور النفاق فى القلوب .
كما قال عـلام الغيوب: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ [ الصف: 2-3 ].
أيها الأحبة الكرام: إننا لا نخاف على الإسلام لأن الذى وعد بإظهاره على الدين كله هو الله الذى يقول للشىء كن فيكون، هو الله، وإنما نخاف على المسلمين إن هم تركوا الإسلام وضيعوا الإسـلام، نسأل الله جل فى علاه أن يرد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً إنه ولى ذلك والقـادر عليه .
اللهم قيد لأمة التوحـيد أمر رشد يعز فيه أهل الطاعـة ويذل فيه أهل المعصية يا رب العالمين .السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
ArabO Arab Search Engine & Directory 0

تعريب وتطوير حسن